كان محمود درويش في حفلة في بيت صديق له ، و رأى إمراة أعجبته و لكنه لم يتحدث معها ، و بعد فترة قرر درويش أن يستضيف صديقه و كل من كان في ذلك اليوم المشهود ، و أكد على صديقه أن كل من كان في ذلك اليوم فهو مدعو للحفلة في بيت درويش ، و يوم الحفلة جاء الكل ما عدا هذه المرأة ، فقرر درويش أن ينظم حفلة أخرى لعلها تأتي و لكنها أيضا لم تأتي ، إستمر هذا الوضع لمدة سنة ، في خلال هذه الفترة كتب درويش قصيدة " في الانتظار ، يُصيبُني هوس برصد الاحتمالات الكثيرة ".
و مرت سنة و كان درويش يزور صديقه بالصدفة ، فوجدها ضيفة هذا الصديق أيضا ، و كان هذا هو اللقاء الثاني و بداية قصة حب تطورت لزواج في منتصف الثمانينات من المترجمة المصرية "حياة الهيني".
تحكي حياة أن درويش كان يضع لها وردة حمراء كل يوم على السرير ، ما عدا لو كان بينهم بعض الضيق أو الضجر .
تحكي أنه في يوم بعد العشاء قال لها أنه كتب قصيدة لها ، و جلس يلقي عليها الشعر كالندى ، و تكمل القصة فتقول أن مارسيل عندما سمع القصيدة طلب غنائها ، و لكنه فوجيء بالرفض القاطع من درويش و قال له هذه قصيدة شخصية ، و إستمر مارسيل في تكرار الطلب دون أن يمل ، و إستمر درويش في الرفض ، إلا أن درويش قبل ذهابه إلى أمريكا لدخول غرفة العمليات و لأنه كان يعلم أن لن يرجع إلا في تابوت ، إتصل بمارسيل و طلب منه أن يلحن القصيدة و يغنيها ، ففعل مارسيل ، و مات درويش قبل أن يسمعها .
كانت قصيدة "يطير الحمام يحط الحمام أعدّي لي الأرض كي أستريح . فإني أحبّك حتى التعب " ...
كان درويش ينسج من الحنين وطنًا آخر ومن الحب معبدًا للدهشة
"يطير الحمام.. ويحط القلب عند من أحب"
كأنها وصيته الأخيرة أن يبقى الحب ولو رحل الشاعر
اختيار موفق سررت بقراءته
تنويه: الصورة المرفقة ليست لحياة الهيني بل للمطربة الإيرانية كوكوش
يطيرُ الحمامُ
يَحُطّ الحمامُ
أعدّي لِيَ الأرضَ كي أستريحَ
فإني أحُّبّك حتى التَعَبْ...
صباحك فاكهةٌ للأغاني
وهذا المساءُ ذَهَبْ
ونحن لنا حين يدخل ظلٌّ إلى ظلّه في الرخامِ
وأُشْبِهُ نَفْسِيَ حين أُعلّقُ نفسي
على عُنُقٍ لا تُعَانِقُ غير الغمام
وأنتِ الهواءُ الذي يتعرّى أمامي كدمع العنَبْ
وأنت بدايةُ عائلة الموج حين تَشَبّثَ بالبرّ
حين اغتربْ
وإني أحبّك، أنتِ بدايةُ روحي، وأنت الختامُ
يطير الحمامُ
يَحُطّ الحمامُ
أنا وحبيبيَ صوتان في شَفةٍ واحدهْ
أنا لحبيبي أنا. وحبيبي لنجمته الشاردهْ
وندخل في الحُلْمِ، لكنّهُ يَتَبَاطَأُ كي لا نراهُ
وحين ينامُ حبيبيَ أصحو لكي أحرس الحُلْمَ مما يراهُ
وأطردُ عنه الليالي التي عبرتْ قبل أن نلتقي
وأختارُ أيّامنا بيديّ
كما اختار لي وردة المائدهْ
فَنَمْ يا حبيبي
ليصعد صوتُ البحار إلى ركبتيّ
وَنَمْ يا حبيبي
لأهبط فيك وأُنقذَ حُلْمَكَ من شوكةٍ حاسدهْ
وَنَمْ يا حبيبي
عليكَ ضفائر شعري، عليك السلامُ
يطيرُ الحمامُ
يَحُطّ الحمامُ
رأيتُ على البحر إبريلَ
قلتُ: نسيت انتباه يديكِ
نسيتِ التراتيلَ فوق جروحي
فَكَمْ مَرّةً تستطيعين أن تُولَدي في منامي
وَكَمْ مَرّةً تستطيعين أن تقتليني لأصْرُخَ: إني أحبّكِ
كي تستريحي؟
أناديكِ قبل الكلامِ
أطير بخصركِ قبل وصولي إليكِ
فكم مَرّةً تستطيعين أن تَضَعِي في مناقير هذا الحمامِ
عناوينَ روحي
وأن تختفي كالمدى في السفوحِ
لأدرك أنّك بابل، مصرُ، وشامُ
يطير الحمامُ
يَحُطّ الحمامُ
إلى أين تأخذني يا حبيبي من والديّ
ومن شجري، من سريري الصغير ومن ضجري،
من مرايايَ من قمري، من خزانة عمري ومن سهري،
من ثيابي ومن خَفَري؟
إلى أين تأخذني يا حبيبي إلى أين
تُشعل في أذنيّ البراري، تُحَمّلُني موجتين
وتكسر ضلعين، تشربني ثم توقدني، ثم
تتركني في طريق الهواء إليك
حرامٌ... حرامُ
يطير الحمامُ
يَحُطّ الحمامُ
لأني أحبكِ، خاصرتي نازفهْ
وأركضُ من وَجَعي في ليالٍ يوسّعها الخوفُ مما أخافُ
تعالى كثيرًا، وغيبي قليلاً
تعالى قليلاً، وغيبي كثيرًا
تعالى تعالى ولا تقفي، آه من خطوةٍ واقفهْ
أحبّكِ إذ أشتهيكِ. أحبّك إذ أشتهيك
وأحفن هذا الشعاعَ المطوّقَ بالنحل والوردة الخاطفهْ
أحبك يا لعنة العاطفهْ
أخاف على القلب منك، أخاف على شهوتي أن تَصِلْ
أُحبّك إذْ أشتهيكِ
أحبك يا جسدًا يخلق الذكريات ويقتلها قبل أن تكتملْ
أُحبك إذْ أشتهيكِ
أطوّع روحي على هيئة القدمين على هيئة الجنّتين
أحكُّ جروحي بأطراف صمتك.. والعاصفهْ
أموتُ، ليجلس فوق يديكِ الكلامُ
يطير الحمامُ
يَحُطّ الحمامُ
لأني أحبّك (يجرحني الماءُ)
والطرقاتُ إلى البحر تجرحني
والفراشةُ تجرحني
وأذانُ النهار على ضوء زنديك يجرحني
يا حبيبي، أناديكَ طيلة نومي، أخاف انتباه الكلام
أخاف انتباه الكلام إلى نحلة بين فخذيّ تبكي
لأني أحبّك يجرحني الظلّ تحت المصابيح، يجرحني
طائرٌ في السماء البعيدة، عطر البنفسج يجرحني
أوّلُ البحر يجرحني
آخِرُ البحر يجرحني
ليتني لا أحبّكَ
يا ليتني لا أُحبّ
ليشفى الرخامُ
يطير الحمامُ
يَحُطّ الحمامُ
أراكِ، فأنجو من الموت. جسمُكِ مرفأْ
بعشرِ زنابقَ بيضاء، عشر أتأمل تمضي السماءُ
إلى أزرقٍ ضاع منها
وأْمسكُ هذا البهاء الرخاميّ، أمسك رائحةً للحليب المُخبّأْ
في خوختين على مرمر، ثم أعبد مَنْ يمنح البرّ والبحر ملجأْ
على ضفّة الملح والعسل الأوّلين، سأشرب خَرّوبَ لَيْلكِ
ثم أنامُ
على حنطةٍ تكسر الحقل، تكسر حتى الشهيق فيصدأْ
أراك، فأنجو من الموت. جسمك مرفأْ
فكيف تُشرّدني الأرض في الأرضُ
كيف ينامُ المنامُ
يطير الحمامُ
يَحُطّ الحمامُ
حبيبي، أخافُ سكوتَ يديكْ
فَحُكّ دمي كي تنام الفرسْ
حبيبي، تطيرُ إناثُ الطيور إليكْ
فخذني أنا زوجةً أو نَفَسْ
حبيبي، سأبقي ليكبر فُستُقُ صدري لديكْ
ويجتثّني من خطاك الحَرَسْ
حبيبي، سأبكي عليكَ عليكَ عليكْ
لأنك سطحُ سمائي
وجسميَ أرضك في الأرضِ
جسمي مقَامُ
يطير الحمامُ
يَحُطّ الحمامُ
رأيت على الجسر أندلُسَ الحبّ والحاسّة السادسهْ
على وردة يابسهْ
أعاد لها قلبَها
وقال: يكلفني الحُبّ ما لا أُحبّ
يكلفني حُبّها.
ونام القمرْ
على خاتم ينكسرْ
وطار الحمامُ
رأيتُ على الجسر أندلُس الحب والحاسّة السادسهْ
على دمعةٍ يائسهْ
أعادتْ له قلبَهْ
وقالت: يكلفني الحبّ ما لا أُحبّ
يكلفني حُبّهُ
ونام القمرْ
على خاتم ينكسرْ
وطار الحمامُ
وحطّ على الجسر والعاشِقْينِ الظلامُ