ليلة حالكة السواد، سماء متشققة يتوسطها بدر أحمر مغبر، سكون موحش يطبق على كل شيء من حوله- كعادته- جلس في قلب العتمة،أخذ يقلب المكان ينظر يميناً ويساراً ..أخرج هاتفه المحمول، حاول مرارا وتكرارا... لكن صوت تهكمها كان يتمدد من حوله ظلت تقترب منه حتى أوشكت أن تبتلعه :_ عدت ملكي إذا!
أغلق الهاتف ثم التفت إليها محدقا... ودونما أن يتفوه بكلمة واحدة نهض ببطء ومضى..
تاركا خلفه مكانا موحشا، هاتفا محمولا يوشك على الانطفاء وامرأة مجنونة يرتعش قلبها من الخوف! .
.
.
.
سـلام مـن الله و ود ،
الله الله الله ...!!!
يالجمال الوميض السـردي بنبض حرفكم ، أديبنا و مبدعنا أ. محمد العـونة ...!!
نعم ؛
هو ذا البوح ؛
اليخرج على هيئة لهب يتراقص بطعم غذاء الروح و جوعها ( الوحدة )....
التوازن بين القلب و العقل مطلوبان وأحسنتم و أجدتم و أبدعتم بذا لا ريب ...!!
وميض طيب عميق يوزن بالذهب ؛
فيها فارق بيان و حققت الدهشة و أتت على الجمال لا ريب .
أنعم بكم و أكرم...!!
مـحبتي و الود
قراءة نقدية وجودية–سيميائية–ثقافية
في «وحدة» لمحمد داود العونة
نقد/ عباس العكري
النص/ وحدة
ليلة حالكة السواد، سماء متشققة يتوسطها بدر أحمر مغبر، سكون موحش يطبق على كل شيء من حوله- كعادته- جلس في قلب العتمة،أخذ يقلب المكان ينظر يميناً ويساراً ..أخرج هاتفه المحمول، حاول مرارا وتكرارا... لكن صوت تهكمها كان يتمدد من حوله ظلت تقترب منه حتى أوشكت أن تبتلعه :_ عدت ملكي إذا!
أغلق الهاتف ثم التفت إليها محدقا... ودونما أن يتفوه بكلمة واحدة نهض ببطء ومضى..
تاركا خلفه مكانا موحشا، هاتفا محمولا يوشك على الانطفاء وامرأة مجنونة يرتعش قلبها من الخوف! .
تأتي القصة القصيرة جدًا «وحدة» للكاتب محمد داود العونة في سياق أدب يقوم على التكثيف والإيحاء أكثر مما يقوم على السرد التفصيلي. ففي بضعة أسطر يخلق النص عالَمًا ملبّدًا بالعتمة والرموز، حيث تتقاطع تجربة البطل الفردية مع أسئلة كبرى عن الحرية، والعبث، والهيمنة، والمعنى. هذا الاقتصاد اللغوي يمنح النص كثافةً دلالية تدعو إلى مقاربات نقدية مركّبة، لا تكتفي بزاوية واحدة، بل تستعين بمناهج متعددة. هذه التعددية لا تشتت المعنى، بل تكشف انفتاح النص على أفق عالمي، يجعل من «وحدة» نصًا عابرًا للحدود النقدية.
تفتتح «وحدة» مشهدها بعتمة كثيفة وسماءٍ متشققة يتوسطها بدرٌ أحمر مغبّر وهاتف يخيب الرجاء، ثم جملة حادّة: «عدتِ ملكي إذن!»، فالنهضة البطيئة والرحيل. بهذه الذخيرة القليلة تصنع القصة حقل توتر بين الحرية والهيمنة، وبين العبث والمعنى، وتضع القارئ مباشرة في قلب أسئلة الوجود واللغة والسلطة.
من منظور الفلسفة الوجودية كما عند جان بول سارتر، يظهر البطل في مواجهة قدره؛ فالحرية فعل مسؤول لا يمكن التنصل منه، لذلك يبدو صمته ورحيله تأسيسًا للذات خارج خطاب الملكية. وهذا يتجسّد فيما أوضحه أحمد عاطف: «المذهب الوجودي يتأسس على مبدأ أن وجود الإنسان سابق على كل شيء…» (Aatif, 2024). ويتضح هذا في القصة عندما يرفض البطل أن يُختزل في صفة "مملوك"، فيؤكد حريته بالفعل عبر الرحيل.
ويتجاوب هذا مع ألبير كامو الذي رأى في العبث ولادةً من اصطدام توق الإنسان بالمعنى مع صمت العالم، وهو ما يظهر في عجز الهاتف عن الاتصال وفي التهكم. وكما يوضح إبراهيم أبوعواد: «اعتقدَ كامو أنّ العبثيّة تنبع من المواجهة بين شوق الإنسان وصمت العالم…» (Abuawad, 2025). هكذا يصبح فشل الهاتف تجسيدًا لصمت العالم، ويصبح انسحاب البطل تمرّدًا عبثيًا واعيًا على اللاجدوى.
أما مارتن هايدغر، فإن قراءة «وحدة» من منظوره تكشف عن وعي بالزمن الفاني وحدود الكينونة. فهايدغر يصف كيف أن «الكائن البشري غالبًا ما يضيع في الحياة الزائفة… لكنها يمكن أن تجد نفسها أيضًا في أصالتها» (Al-Khouildi, n.d.؛ Zein Al-Din, 2016). وهذا ما يحدث حين يختار البطل الانسحاب لا كهروب، بل كعودة إلى أصالته خارج اللغو اليومي. وعلى الضفة الأخرى، يرى سورين كيركغارد أن مواجهة خطاب «الملكية» تضع البطل في قلب ما سماه «دوار الحرية»، وهو القلق العميق الملازم للحظة الاختيار.
وتقدّم سيمون دي بوفوار بُعدًا نسويًا وجوديًا، إذ ترى أن صورة «المرأة المجنونة» ليست «طبيعة» بل بناء اجتماعي. ويؤكّد ذلك قولها الشهير: «لا يولَد المرء امرأة، وإنما يَصِيرُ كذلك» (Salah, 2023). وبذلك نفهم أن وصف المرأة بالجنون في النص ليس توصيفًا موضوعيًا، بل إعادة إنتاج لخطاب سلطوي يرسّخ أدوارًا جندرية.
وعلى مستوى علم العلامات، ينسجم فهم سوسير لمعنى العلامة مع مبدأ الاختلاف داخل النسق؛ فالمعنى يتولّد من تحوّل العلاقات بين الدوالّ. لذلك ينقلب الهاتف من كونه دالًّا على الوصل إلى دالٍّ على القطيعة لحظة الصمت (Qalala, n.d.). هذا التحوّل يبرهن أن الهاتف في النص ليس أداة تقنية فقط، بل علامة يعاد توزيع قيمتها داخل النسق السردي. بينما يرى بيرس أن العلامة لا تكتمل إلا عبر مفسِّرها: «العلامة تكون ذات دلالة فقط بكونها قابلة للتفسير» (Atkin, 2013). إذن يتحقق معنى الهاتف حقًا في لحظة تلقي القارئ التي تحوّل فشله إلى إشارة قطيعة.
ويضيف أمبرتو إيكو أن مفهوم "العمل المفتوح" يجعل القارئ شريكًا في إنتاج الدلالة (Ajab Al-Faya, 2025). ومن هنا فإن النهاية المفتوحة للقصة تسمح للقارئ أن يقرر: هل الانسحاب تحرّر وجودي أم هزيمة؟ أما رولان بارت فقد أعلن «موت المؤلف» (Marai, 2021). وبالتالي لا يعود النص رهين قصد الكاتب، بل يكتسب معناه من تعدد القراءات التي يخلقها المتلقي. وتكشف تفكيكيّة دريدا التناقض الكامن في عبارة «عدتِ ملكي» (Omar, 2023). فالخطاب الذي يبدو حبًّا ينقلب عند التحليل إلى بنية هيمنة، وهو بالضبط ما يفضحه التفكيك.
أما التحليل النفسي، فيفتح طبقات أعمق من سطح الرؤية المباشرة؛ فسيغموند فرويد استكشف أعمق طبقات النفس البشرية (Fattahi, 2025). ولهذا يمكننا أن نقرأ البدر الأحمر كرمز حلمي كابوسي يكشف عن قلق مكبوت في لاوعي البطل. ويضيف كارل يونغ أنّ المرأة في النص يمكن قراءتها كـ«الظل» (Saghieh, 2023). بمعنى أنها صورة اللاوعي المرفوض عند الرجل، والتي تفرض نفسها عبر حضورها المقلق. أما جاك لاكان فقد رأى أن اللاوعي مبنيّ كبنية لغوية (Watafa, 2023). وهذا يفسّر كيف أن جملة «ملكي» ليست مجرد نداء عاطفي، بل خطاب رغبة ينظّم علاقة الهيمنة.
من منظور ماركس، فإن فعل البطل يمثّل حالة اغتراب: الجهد الإنساني يسلبه الآخر (مستشهدًا بـ Al-Khouildi, 2023). وبذلك يصبح ترك المكان تجسيدًا رمزيًا لحالة العامل الذي يُنتزع منه نتاجه. أما غرامشي فيوضح أن السيطرة لا تُمارس بالقسر وحده، بل عبر الهيمنة الثقافية (Al-Khouildi, 2022). وفي النص تُطبع عبارة "ملكي" كأمر طبيعي، وهو جوهر الهيمنة. ويضيف ألتوسير أن خطاب الملكية فعل استدعاء أيديولوجي (Al-Kayyal, 2018). غير أن صمت البطل يوقف اكتمال هذا الاستدعاء، ليترك مجالًا للمقاومة.
ويرى فوكو أن المقاومة تنبثق من داخل السلطة نفسها (Al-Hasnawi, 2022). وهو ما يفسر انسحاب البطل كفعل مقاومة لا كهروب. ويشير أدورنو إلى أن الفن قد ينقلب إلى أداة هيمنة (Rose, 2017). وهذا ما يوضحه النص حين يكشف كيف يتحوّل خطاب الحب إلى غطاء للسيطرة. وفي السياق ما بعد الاستعماري، يكشف إدوارد سعيد أن الأدب يعيد إنتاج الهيمنة (Abaah, 2024). وهذا يتجلى في أن القصة لا تصف الوحدة فقط بل تخلق خطابًا يشرعن التملّك.
وتسأل غاياتري سبيفاك: «هل يستطيع التابع أن يتكلم؟» (Al-Mohammad, 2025). في النص يتحوّل صمت البطل إلى شكل من الكلام المقاوم، إذ يفضح إقصاءه. أما هومي بابا فيطرح مفهوم «الهجنة» (Al-Khadraoui, 2020). ويتضح ذلك عندما يتقاطع خطاب العاطفة مع خطاب السلطة، فتتشكل هوية هجينة داخل العلاقة. ويرى فانون أن الاستعمار قد يلبس أقنعة ثقافية (Hajjar, 2025). وعبارة «ملكي» في النص استعمار داخلي للعاطفة يختزل الآخر في تابع.
تؤكد كريستيفا أن النص يقوم على التناص، إذ يعيد تدوير خطاب الحب التقليدي ليكشف بنيته السلطوية (Salah, 2023). وبذلك يظهر "الجنون" أو "الملكية" كخطابات متوارثة يعيد النص تفكيكها. أما جوديث بتلر فترى أن الجندر أداء متكرر (Mahmoud, 2025). وبالتالي فإن وصف "المجنونة" ليس حقيقة، بل أداء ثقافي يرسّخ التملك العاطفي.
ويرى باختين أن الكلمات مشبعة بأصوات الآخرين (Hamdawi, 2012). فجملة «ملكي» لا تنطق بوحدتها، بل تحمل صدى ثقافات وخطابات متراكبة. ويقول بول ريكور إن النص يولّد فائض معنى (Atharah, 2022). ولهذا لا تنغلق «وحدة» على تفسير واحد، بل تبقى مفتوحة لاحتمالات متعددة. ويغلق هانس غادامر القوس بالقول إن الفهم هو اندماج آفاق (Al-As’ad, 2025). ومن ثمّ يلتقي أفق القارئ مع علامات النص ليُنتج معنى متجدد في كل قراءة.
تكشف القراءة الوجودية–السيميائية–الثقافية لنص «وحدة» أنه ليس مجرد مشهد عاطفي، بل مختبر نقدي تلتقي فيه أصوات الفلسفة والأدب والنقد. لقد أظهر النص كيف يمكن لجملة بسيطة كـ«عدت ملكي إذن!» أن تحمل خطاب هيمنة، وكيف يمكن لصمت البطل أن ينقلب إلى فعل مقاومة، وكيف تتحول رموز الطبيعة إلى علامات للقلق والاغتراب.
بذلك تحقق القصة القصيرة وظيفتها الأعمق: فضح التوترات الاجتماعية والوجودية واللغوية في أقل عدد ممكن من الكلمات. وتظل النهاية مفتوحة على السؤال: هل يمثل انسحاب البطل تأسيسًا لحرية وجودية تعيد للذات إنسانيتها، أم أنه تكريس لعزلة قدرية؟ النص لا يمنح الجواب، بل يترك القارئ شريكًا كاملًا في صناعة المعنى.
• Mahmoud, H. S. M. (2025, March 25). Judith Butler and the deconstruction of the illusion of identity: Gender between performance and power. Al-Hiwar Al-Mutamaddin. https://www.ahewar.net/debat/show.ar...id=862579&nm=1
• Marai, M. I. (2021). The hermeneutics of the death of the author: An epistemic-critical approach to Roland Barthes' thesis. Islamic Center for Strategic Studies. https://www.iicss.iq/?id=40&sid=432
• Omar, S. I. (2023, September 25). Deconstruction and its educational implications: A reading in the writings of Jacques Derrida. Tanwair. https://tanwair.com/archives/17684
• Omar, S. I. (2023, September 25). Deconstruction and its educational implications: A reading in the writings of Jacques Derrida. Tanwair. https://tanwair.com/archives/17684
• Qalala, N. (n.d.). Issues in linguistics and semiotics: A reading in Ferdinand de Saussure’s texts. Islam Online. https://islamonline.net/126255
• Watafa, A. (2023, February 15). The unconscious manifestations of language in Jacques Lacan’s psychology [Arabic]. Hadf News. https://hadfnews.ps/post/113732