{ نبدأ صباحنا أو مساءَنا بآية كريمة أو حديث مع ضوء وتفسير}

( (إنّ الله عزيز ذو انتقام).
عزيز بمعنى منيع الجناب لايُضام مَن استند إلى جانبه ولجأ إلى بابه. الذي لا أعزّ منه ولا أشدّ انتقاما منه ممن كفر به وأشرك وعاند رسوله(ص).
من أسمائه سبحانه(المنتقم) وهي صفة فعلية ثابتة .ولايعد الانتقام فعلا خبيثا أو انتقاما بل
هو مصطلح لاستعادة السلامة والنزاهة حيث يطلق الله غضبه على الذين أساؤا إليه .ورغم أنّ أفعاله قد تبدو انتقامية إلّا أنها تسعى إلى تحقيق العدالة.
و المنتقم إذا وُصف به إنسان فهو مختلف وقد لانحبه.فهذا المعنى يليق بالله وحده فهو الذي يضع حدا للظالم ويحجزه أن يؤذي الآخرين.فهوةيعاقب ليؤدب ،ويؤدب ليُسعد.
فالله يعاقب من يشاء .أم الإنسان فلا يستطيع معاقبة إلّا الذين أدنى منه.فالانتقام بهذا المعنى يليق به وحده سبحانه وتعالى فإذا عرف الإنسان أنّ( بطش ربك لشديد) فإنه لا يجرؤ على المخالفة .فالدولة القوية المالكة
للأسلحةالاستراتيجية لا أحد يجرؤ على الاقتراب منها فما بالك بمالك الملك؟
ويرى الإمام الشقيري أنّ الانتقام نتيجة الكراهية.لكنك إذا قلت الله يكره فهو لايكره الإنسان ولكن يكره عمله .فالأب لايكره ابنه لكن يكره عمله كذلك.فالله لايغضب لنفسه ولا يكره
لنفسه فهو غني عن كل خلقه.فهو ينذر اولا فإن لم ينتفع سلّط عليه العقوبات والانتقادات.
والذي يجب على العاقل إذا أمكنه الله تعالى
ألّا يجعل العقوبة شتيمة.وإن كان لابد من الانتقام فليرفق في انتقامه إلّا أن يكون حدًّا من حدود الله. وماانتقم رسول الله (ص) إلّا أن تُنتهك حرمة الله.وفي الصفح والعفو شرفٌ للنفس وعزّها ورفعتها عن تشفّيها بالانتقام ماليس شيء منه في الانتقام فعفوك موصول أيها العبد بعفو المولى عنك (وإذا ماغضبوا هم
يغفرون). )

( (ألم ترَإلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يُدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولّى فريقٌ منهم وهم معرضون).
عن ابن عباس أنه قال:
دخل رسول الله(ص) بيت المدراس- وهومكان دراسة التوراة وتعلمها عند اليهود .ومؤسسة دينية تعليمية مشابهة للكنيس،أو دار عبادة حيث يجتمع الأحبار لتفسير الشريعة وتطويرها
- دخل على جماعة من اليهود فدعاهم إلى الله .فقالوا له:على أي دين أنت يا محمد ؟
فقال:على ملّة ابراهيم ودينه. فقالوا إنّ ابراهيم كان يهوديا .فقال:هلمّ إلى التوراة .فهي بيننا وبينكم . فأبوا وأعرضوا وهذا دأبهم عندما يُواجهوا بالحقيقة .)

( (إذ قالت الملائكة يامريم إنّ الله يبشّرك بكلمةٍ منه).
أي:
بمولود يحصل بكلمةٍ منه سبحانه وتعالى
وسُمّي هذا المولود كلمة لأنه وُجد بكلمةواحدة
(كن). فهو من باب اطلاق السبب على المسبب.والمراد هنا أنه وُجد من غير أب.لأنّ غيره وُجد بتلك الكلمة لكنه بوساطة أب أي:وُجد بطريق التناسل عن ذكر وأنثى وأخرج الأولاد من أصلاب الآباء .
فإنّ عيسى عليه السلام لم يكن كذلك بل خلقه الله خلقا آخر بكلمةٍ منه (كن) فكان كما أراده الله.)

( *بين سيّدينامحمد وعيسى عليهما السلام:
(ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل).
الهاء في يعلمه يعود على السيد المسيح
والمراد بالكتاب هنا الكتابة والخط.فإنّ عيسى
عليه السلام قد بعثه الله في أمّةٍ أرتقت فيها ألوان العلم والمعرفة، فأكرمه الله بأن جعله يفوق غيره في هذه النواحي، وخاصة في العلوم الطبية فعالج الأعمى وأحيا الميت بإذن الله.
بينما بُعث سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه بُعث في الأميين للكلمة عندهم مكانةً خاصة ففاقهم بلاغاً وفصاحةً،وتحداهم أن يأتوا
بسورةٍ منه فعجزوا.)

( (كنتم خير أمّةٍ أُخرجت للناس تأمرون تأمرون وتنهون عن المنكر ).
هل كانوا خير أمّةٍ أُخرجت للناس ؟وإذاكانوا خير أّمّةٍ أُخرجت للناس فما حاجتهم
إلى من يهديهم ؟
كان:كما هو معروف فعل ماض ناقص يدل على حدثٍ في الماضي ،ولكنها هنا بمعنى أصبح .
متى أصبحتم خير أمّةٍ أُخرجت للناس ؟
عندما أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر .
ولِمَ أصبحتم الآن في أدنى الأمم؟
أعتقد أنّ الجواب واضح.)

( (يحرّفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مُسمع وراعنا ليًّا بألسنتهم وطعنا في الدين).
كان اليهود يدخلون على النبي( ص)
ويسألونه عن أمر فيخبرهم ليأخذوا به،فإذا
خرجوا من عنده حرّفوا كلامه .ولم يتركوا وسيلة من وسائل التحريف الباطل إلّا فعلوها
أملا منهم في صرف الناس عن الدعوة. ويقولون للنبي إذا ما أمرهم بشيء سمعنا قولك
وعصينا أمرك.ونحن مع فهمنا ماتقول لانطيعك
لأننا متمسكون باليهودية.
واسمع غير مُسمع أي: اسمع منّا لاسمعت.
وراعناسمعك أي: أفهم منّا وأفهمنا .يلوون ألسنتهم بذلك وهم يريدون الدعاء عليه بالرعونة ( حسب لغتهم)،والطعن في دين الإسلام.)

( ( فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضلّ الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا).
عن زيد بن ثابت أنّ الرسول( ص) خرج إلى أُحد فرجع ناسٌ خرجوا معه .فكان أصحاب رسول فيهم فرقتين:فرقةّ تقول نقتلهم ،وفرقةٌ
تقول:لا هم مؤمنون.فأنزل الله(فما لكم في
المنافقين فئتين .فقال الرسول (ص)إنها طيبة
تنفي الخبيث كماينفي الكير خبث الحديد ).
والله أركسهم أي أهلكهم بسبب عصيانهم
و مخالفتهم الرسول،واتباعهم الباطل .أتريدون أن تهدوا مَن أضلّه الله، والذي لاطريق له إلى الهدى).
لمن أراد أن يستعين بالنحو لفهم الآية:
ما:مبتدأ.
لكم :متعلقان بالخبر المحذوف.
في المنافقين:متعلقان بفئتين.
فئتين:خبر كان المحذوفة. ولتقدير فما لكم
في المنافقين كنتم فئتين.)

( ( لكن الراسخون في العلم والمؤمنون يؤمنون بما أُنزل إليك وما أُنزل من قبلك( والمقيمين الصلاة). والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله أولئك
سنؤتيهم أجرًا عظيما)
الملاحظة الأولى أنّ العطف يتبع
المعطوف عيه في علامات إعرابة:المؤمنون،
( والمقيمين الصلاة)،والمؤتون الزكاة،والمؤمنون بالله كلها معطوفة على (الراسخون) المرفوعة على أنها مبتدأ.كلها مرفوعة ماعدا(المقيمين
الصلاة) لماذا؟
المقيمين منصوب على الاختصاص بمعنى مفعول به منصوب لفعل محذوف تقديره أخص
مقيمين الصلاة.
معنى إقامة الصلاة:
إقامة الصلاة ليست في الركوع و السجود وقراءة القرآن والدعاء فهذه أداء الصلاة مجرد حركات لها معانٍ تعبدية إذا لم تُطبق في الحياة العملية لاتصح .والمفروض من المصلي أن لايقتصر في صلاته على أداء حركاته بل أن يتعداها إلى الصفات والأخلاق الإسلامية الحقة:
فالمسلم المصلي يجب أن يكون صادقا لايكذب أبدا ولا يقترب من المحرمات وأن يقوم بما أمره الله به .
وللأسف الشديد أننا نرى أحيانا مرتكبي المعاصي بأنواعها قد يقفون في الصف الأول
ويقنعون أنفسهم أنهم يقيمون الصلاة ويقرؤن القرآن دون أن يتدبروا ما جاء به .وهم حريصون جدا على صلاة الجماعة أداءً لا إقامةً
ولم تنعكس صلواتهم على سلوكهم في الحياة .
قال أحد العارفين بالله :والله لو عرفت أنّ الله تقبّل مني ركعتين فقط لضمنت الجنة .فلما سُئل عن ذلك قال:إنّ الله لايتقبّل إلّا من التوّابين المتطهرين ولا أضمن نفسي أن أكون منهم .
ندعو الله أن نكون من مقيمي الصلاة وممن سيؤتيهم أجرا عظيما.
أرجو أن يصل البوست إلى من يختلف سلوكه
في المسجد عنه في الخارج .)

( (إنما المسيح بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه).
من وجهة نظر إسلامية : إنه مكوّن ومخلوق بكلمة من الله(كن) من غير واسطة أبٍ ولانطفة.وهذه الكلمة ألقاها سبحانه وتعالى إلى مريم بنفخ جبريل فيها فكان عيسى بإذن الله بشراسويًّا.وقوله روحا منه أي: ونفخةّ منه.لأنّ عيسى حدث بنفخة جبريل في درع مريم فكان عيسى بإذن الله فنُسِب إلى أنه روحٌ من الله ،لأنه بأمره كان .وسُمّي النفخ روحا لأنه
ريح تخرج منه الروح.
وذكره الله سبحانه وتعالى باسمه ولقبه
إشارةً إلى أنه إنسان فهو مولود خرج من رحم أنثى وإن كان لم يخرج من صلب أب .وكفى
بذلك دليلا على بشريته وكلمته (من).وبذلك
سُمّي كلمة الله.
تعقيب:
المعجزات الإلهية التي منحها الله سبحانه لآخر ثلاثة رسل (موسى،عيسى،محمد) عليهم السلام :
فقد بُعث موسى عليه السلام في عصر عمّ فيه السحر فكانت العصا التي لقفت ما
يأفكون .
وبُعث عيسى عليه السلام في عصر ازدهرت فيه العلوم الطبية ،فكانت ولادة المسيح من غير أب وهذه أكبر معجزة للفكر البشري آنذاك مضافا إليها إحياء الموتى ومعالجة الأعمى وذا الإعاقة وما شابة.....
وبُعث محمد عليه السلام في أمةٍ للكلمة فيها تأثير قوي في كينونتهم فالكلمة عند العرب لها تأثير سحري لامثيل له في اللغات الأخرى .فعجز بلغاء العرب وفصحائهم الإتيان بمثله وقد تحداهم في أكثر موضع أن يأتوا بمثله فعجزوا .
وبجميع الأحوال المسائل الإيمانية لا تؤخذ
بالعقل وحده والمنطق وحده ولا تخضع للمنهج العلمي المتغيّر والمتابع لتطور العلوم يشاهد أنها في تغير دائم .كانوا يعتقدون أن الأرض هي مركز الكون وانظر الآن حجمها الذي لا يوازي نقطة إذا ماقورنت بالمجرات .)

( (حُرّمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير و..........وأن تستقسموا بالأزلام ).
الأزلام:
قداحٌ معلّمة معروفة في الجاهلية كان أحدهم إذا أراد شيئا كسفرٍ أو أي حاجة يرجع إلى البيت الحرام الذي كان فيه مكان مخصّص
للأزلام وهي كما ذكرت بدايةً مجموعة من الأكواب مكتوب على بعضها (أفعل) والبعض الآخر (لا تفعل) موجودة في كيس يمدّ يده ويُخرج واحدا ويتصرّف حسب ماجاء به (أفعل
أو لا تفعل). ومفرد هذه الأزلام (زلمة).
يازملة وحّد الله. نحن نستعملها في بلادنا
بمعنى رجل .وكيف استعملت بهذا المعنى؟
الزلمة:
أيضا كلمة آراميّة الأصل وهي بمعنى الرجل استخدمها العرب ممن كانوا آراميين
أوتأثروا بها.فقبل الإسلام كانت بلاد الشام تتحدث الآرامية وبعد الإسلام بعدة عقود صار التحول للعربية ،وتأثرت لهجة أهل الشام كثيرا
بالآرامية. وما زالوا حتى الآن يستخدمون بعض المفردات الآرامية:شقفةبمعنى قطعة ،شوب بمعنى حر ،حذاء،.......فاللغات العربية ،والعبرية، والسريانية والآرامية كلها من أرومة واحدة
(الساميّة).)