كانت عقارب الساعة تشير إلى ما يقارب الساعة الثالثة صباحا ،، عندما قبلت وجنتيه المخضبتين بدموع الوداع و ارتشفت آخر دفقات من الحنان من حضنه الذي لم يخلق بعد أحن وأرق منه في الكون ولم أشعر ولن أشعر به في حياتي .. ليغادر بيتي الذي قضى فيه آخر ساعاته في المدينة الساحلية التي عشقها بكل وفاء وسافر مستقلا الطائرة إلى بلد آخر وأرض اخرى شاركت حب فلسطين في قلبه هي سورية والجزائر والعراق .... وبعد مرور ساعات من السفر وبعد ان وصلني خبر وصوله بالسلامة من والدتي الغالية أطال الله في عمرها .. اردت أن اسمع صوته بنفسي وأتحدث معه بعد ساعات الشوق والفراغ الذي تركه سفره .. أخذت هاتفي النقال وطلبت الرقم كالمعتاد .. كانت الساعة تشير للواحدة صباحا في سورية ال11 مساء في الجزائر .. رد أخي عدي سألته بعد التحية والسلام كيف وصل والدي الحبيب وكيفت هي صحته الآن بعد عناء السفر .. لم ألقى منه جواب بل بادرني بسؤال اربكني وحيرني .. أين زوجك .. قلت : هو نائم منذ وقت وأنت تعلم أنه رافق والدنا في سفره لدمشق ومنها للمطار .. لذلك استغربت اصراره الحديث معه .. لكن قمت رغم كل شيئ قمت بإيصاله معه .. وفعلا تحدثا ..!! و الحيرة تقض أفكاري .. وتقضم لهفتي .. وجهت كل تركيزي وانتباهي لشفاه زوجي وحاولت أن أكون قارئة محترفة .. لعلي أفهم ماذا يجري وهو يتحدث بغموض من جهة وبصوت خافتا جدا من جهة أخرى .. وبادرت بإحساسي الذي سيطر عليه الخوف والقلق قائلة : هل بابا مريض .. هل هو في المستشفى .. هل وهل وهل .. وكان الخبر الضاعقة ......!! لم أتصور أن اتصالي الذي كان من المفروض أن يوصل شوقي ولهفتي هوذاته من سيوصل لي التعاسة والحزن .. وأن تلك اللحظات هلة ذات اللحظات التي فارق فيها والدي رحمه الله الحياة وكان ذلك بعد وصوله عند إخوتي بساعتين بعد تفريغ طاقة اشتياقه لهم واطمئنانه على كل شخص منهم .. يا لها من مفارقة وياله من اتصاله وياله من هاتف نقل لي خبر فراق أبدي لأغلى الأحباب .. فراق ساعات تحول لفراق ابدي في ثواني ...!! ودون أن أقرر يومها لكني إنتابتني حالة اقتربت لحالة الإكتئاب الذي دام طويلا .. فعلاقتي بوالدي الغالي ليس كأي علاقة وارتباط عادي .. ولا يشبه أي علاقة مع باقي إخوتي .. يومها كرهت كل الهواتف وكرهت حتى إجابياتها.. وبقيت لفترة في خصام تام معها .. أعلم أن لا ذنب اقترفته .. وأن الأعمار في يد الله سبحانه وتعالى .. لكن حملتها ومن دون قصد مني جزء كبير من حزني .. وأنها هي من تسببت في أكبر تعاسة لي في الدنيا ..آآآآآآآه كم هي مؤلمة هذه الذكرى وكم كانت قاسي ياهاتفي النقال ....