في الظلال
أناْ من مكان ما هناك أعيشُ
وعواء ريحٍ في الرجاء يصيحُ
قد شاخ صمتي والحروف مشيبُ
ونزيف ظلي في الظلام قروحٌ
يا صاحبي هيئ غيابكَ للطريقْ
وانظر إلى قدمي جروحٌ
ما عاد في وسع الهوى صبراً،
فلا ملقىً أراه قريبٌ
شاركْ معي هذا الطريقْ
إنّ الظلال كثيفةٌ،
والليل مضطرب حريقٌ
ولقاء بُعْدٍ في زقاق مدينتي
هرب الكلام وجفّ ريقٌ
يا صاحبي أطرقْ قليلاً قد ترى
صوتي يجرُّ ظلال بوسٍ قد مضى
يمضي ويأتي مرةً،
يأتي ولا يمضي وحيدٌ في متاهات الظلالْ
ثَمُلتْ قداح الخمر من عبراتي
فدلقْتُها فوق المناضد علّها تصحو دواتي
ومضيتُ أسكبُ في الكلام قريحتي
شعرا وهل بالشعر تنتفع الجروحُ
زادت معاناتي وما بلغ الصدى ليلي وما،
تدري عن الأحزان في صدري صروحٌ
فأنام من تعبٍ عن الأحلام كي،
أنسى وعوداً أبْرمتْها ثم ولّتْ في فراري
تجري وأجري خلفها
لكنها وهم وريحٌ
يا صاحبي هيئْ غيابك للطريقْ
وانظر وراءك هل ترى فرجا يلوحُ
الشكّ فينا جامح متسلّطٌ
ويقيننا فينا ذبيحٌ
يا صاحبي إنّ الكلام مطيّةٌ،
قل ما تشاء متى تشاءْ
عدِمَتْ حروفي كلها
والجرح أكبر من سكوتي
البداية كانت هنا
عند مفترق العشق كنا،
نقطف أرواحنا
نمشي وحدنا
ونلملم من أعتاب الوجود الفرحْ
البداية كانت هنا
وهنا نبْضٌ في عروق المطرْ
يغسل الموت من صمتنا بالقُبَلْ
ويغسّل جلدينا بيضاء القمرْ
نمشي وحدنا قاطفين من الغمام وسادتنا
وننام على قارعة اللحن نلتحف الأقحوان،
وزنبق فطرتنا
كفّي في كفّكِ روح الحياة ومعنى الوجودِ،
ورونق حكمتنا المنسيةِ،
فوق وريقات الشغف المكنون بداخل نفسينا
مطر يتساقط فوق الأرض ويرشق طينا علينا،
لا بأس بالطين يُشعرنا بالحقيقة في عرينا
أنّا بدْء الكلمات وبدْء الفكرة والمعنى
بدء الحب والعطر والرعشة الأشهى
أنّا بدء الشّعر والنثر والقصة الأبهى
بدء كل قصيدة عشق وخاطرةٍ،
ورسائل شوق مثمرة بالصمت هنا
كنتُ وحدي وكانت هنا وحدها
كنتُ وحدي وكانت معي وحدها
كنتُ نصف أنا
كانتْ هيَ نصف أنا
كنا وحدنا في طريق الجنة نشرب إحساسنا
ثمِلَيْن من الرغبة العابرةْ
جائِعَين من الحب واللحظة الآسرةْ
كنا في الطريق إلينا معا
نتبادل أطراف الصمت باللمسِ،
والخطوات الرزينةِ،
نطرق وقت المكان وباب الوجود خطى الذاكرةْ
في طريق الجنةِ،
أشجار من نخيل وصفاف باهرةْ
وكروم مورقة وعناقيدٌ
حافيين وأقدامنا في حبٍ تقبّلُ زهر الطريقِ،
وعشب الطريق رصيف الطريقْ
الطريق امتداد الروح على مغرب الشمس،
خلف الحلْم وأزرق رغبتنا الهادرةْ
كنا نتقاطر شهداً وماءْ
شفَقَاً وسماءْ
مطرا وسخاءْ
وحدنا
نرسم الآفاق بهمس السكوت ولون الصدى
البداية كانت هنا
بلِقاءٍ صخْب الأحاسيسِ،
في مهرجانٍ من النظراتِ،
وغيم رؤانا يرمقنا ويشارك حفلتنا بالمطرْ
مطرٌ مطرٌ مطرٌ
أفكار تنهمر
ونعلّقها ثمرا ناضجا في محاصل قلبينا
مطرٌ
مطرٌ
مطرٌ
وطوابير الزهر تشرب من ريقنا
ثَمِل الزهر انتشر العطرُ
وَهَج النور استوفى وطرهْ
ذكرٌ أنثى
أرضٌ قمرٌ
وهنا كنا في مفترق الصمت نحيا،
كأنقى سماءٍ وأصل اللقاء ومصل الخلودْ