من الأردن إلى فلسطين ..مدرستي فلسطين ..
بقلم: سامح عوده
تمر قضيتنا الفلسطينية الآن في أصعب مراحلها، خاصة بعد أن كشفت عورات المشروع الصهيوني القائم في الأساس على تغييب الآخر، وإحلال " لقطاء الأرض " مكان سكان الأرض الأصليين، أصحاب الحق وأصحاب الهوية الحقيقية- وهم الفلسطينيون، ملح هذه الأرض وخبزها- ومع ازدياد الهجمة الصهيونية المتطرفة على شعبنا الأعزل يزداد الصمت العربي والدولي على جرائم الاحتلال وطغيانه، حصار غزة، وتهويد القدس، وتكثيف الاستيطان في الضفة الغربية، واسطوانة " الترحيل " المشروخة التي ينادي بها كل المتطرفين والقتلة في إسرائيل.
نحن الفلسطينيين وإن كان لومنا على المجتمع الدولي لصمته الطويل على الجرائم الصهيونية التي ترتكب بحق الأبرياء من أبناء شعبنا، فإن لومنا أكبر على أمتنا العربية والإسلامية التي حولت قضيتنا بقدسيتها وطهارتها إلى " قفشة " إعلامية، وسبق صحفي في هذه الفضائية أو تلك، أو مادة جدلية على غرار ما تفعله قزمية " الجزيرة " في برنامجها الاتجاه المعاكس، إنني أقرأ في عيون البسطاء من أبناء شعبنا العظيم ما لم تقله ألسنتهم، إنهم يبصقون ويلعنون نباح الكلاب ..!! الذي يسمعونه عبر تلك الشاشات.
ندركُ تماماً موازين القوى، ونعي أيضاً حالة الضعف العربي، ومع ذلك لا نريدُ المستحيل من امة بعدد حبات رمل الصحراء ..!! (وإن كنا نتمناه) نريدُ تعزيز الصمود أولاً، والنصرة ثانياً، وفي تعزيز الصمود للمواطن الفلسطيني أوراق كثيرة يمكنُ أن نستخدمها في معركتنا مع الاحتلال، وفي هذا المجال هناك الكثير من المبادرات (العملية وليس الكلامية) التي يمكن أن تقدمها الجماهير العربية للفلسطينيين لدعم صمودهم، وتثبيتهم في أرضهم، (إسرائيل ) المتقدمة عسكرياً واقتصادياً جزء كبير من ميزانيتها يأتي من يهود العالم كمبادرات وهبات، ودعم لمؤسسات المجتمع المدني الإسرائيلي والدولة، خصوصا برامج الاستيطان في القدس، والتي تقدر بالمليارات .
وبالرغم من الألوان القاتمة في المشهد وتقاطع الخطوط المتعرجة، تأتينا ومضات مضيئة من هنا و هناك، تذكرنا أن امتنا ما زالت بخير، فقبل عدة أيام كنتُ قد طالعتُ الصحف الفلسطينية وقد كان العنوان البارز فيها ( الملكة رانيا تعلن انطلاق مبادرة " مدرستي فلسطين " لتحسين نوعية البيئة التعليمية في مجموعة من مدارس القدس ) بحضور دولة الدكتور سلام فياض رئيس الوزراء الفلسطيني، والذي يعمل بجد لاستكمال بناء مؤسسات دولة فلسطين على درب الجاهزية لقيام دولة فلسطين من خلال إعداد البناء المؤسساتي والبنية التحتية اللازمة لقيام الدولة، نعم .. إن المواطن الفلسطيني في القرى والبلدات المحاصرة والمهددة بالمصادرة بالاستيطان يعرفونه جيداً كيف يعمل بجد وثبات لتعزيز صمودهم .
والمبادرة التي كنتُ قد تابعتُ بعض تفاصيلها منذ العام 2008 م وذهلت بالفكرة السامية التي تحملها بين طياتها للرقي بالواقع التعليمي في الأردن الشقيق، جاءت بنفس وبهمة عالية لتعبر إلى القدس الحبيب، من خلال تبني جلالة الملكة رانيا العبد اللة لمبادرة " مدرستي فلسطين من خلال إجراء أعمال الصيانة لعدد من مدارس القدس حيث سيتم تحديد الاحتياجات الأساسية لتلك المدارس، كما سيتم تطبيق مجموعة من البرامج التوعوية التي تهدف إلى تطوير نوعية التعليم في القدس .
القدس الآن تتعرض إلى أكبر هجمة شرسة من هدم للمنازل ومصادرة الأراضي، والأرقام التي تنشر يومياً تبعثُ في النفس غصَّة، ومن بين المؤشرات المهمة والتي لا يتم التدقيق فيها عندما تذكر المدينة المقدسة هو الواقع التعليمي في القدس الذي يتصدر أجندة حكومة المتطرفين في إسرائيل من خلال التضييق على التعليم وتغيير المفاهيم التي يتعلمها الطلاب لخلق جيل تحت عصا البطش يائس بائس، مضطرب الهوية لا يقدر على مواجهة التحديات التي يفرضها الواقع المأساوي عليه، وبهذا يكون أكثر عرضةً للفناء والاندثار ..!!.
مبادرة " مدرستي فلسطين " شمعة نور أشعلتها الملكة رانيا العبد اللة وسط عالم شاسع من الظلام، ولهذا يجب أن تحتضن هذه الشمعة كي يسطع وهجها وتضيء شموعاً أخرى ليعم النور في مدينة النور القدس الحبيبة، وعلى كل الخيرين فلسطينيين وأردنيين، مستوى رسمي وشعبي أن يحتضنوا هذه المبادرة للعمل على أن تكون واقعاً حتمياً رغم أنف الاحتلال، لأن العملية التعليمية في القدس في أمس الحاجة لمبادرات نبيلة تعكس روح مطلقيها الشفافة، فأبناؤنا في القدس يتعرضون إلى أكبر حملة تجهيل، والنوايا الخبيثة والمكشوفة التي تقوم بها إسرائيل في مدينة القدس لتغريب الهوية المقدسية وتهويدها، لا يمكن مواجهتها إلا بمبادرات عاجلة، كهذه المبادة الخلاقة، التي تسهم في تعزيز صمود المواطنين وتثبيتهم في أرضهم .
إن هذه المبادرة وما تحويه من معانٍ إنسانية تعبر عن إنسانية الشعب الأردني الشقيق ووقوفه الدائم إلى جانب الفلسطينيين حكومةً وشعباً، وشعبنا في هذه المرحلة الحالكة يستطيع التمييز بين الثمين من البخس، فهو ومع ما يتعرض له من حرب ضروس تحاول طمس معالم هويته الوطنية وترحيله عن أرضة بالقوة إنما ينتظر أيدي الأشقاء عرباً ومسلمين لتدعم صموده وتثبته في أرضه ليس بالشعارات الفارغة، وإنما بخطة دعم حقيقية لجميع القطاعات المجتمعية والإنسانية التي يحاول الاحتلال القضاء علينا من خلالها، بانتهاج سياسة ممنهجة تلقى دعم اللوبي الصهيوني العالمي. كثيرون ممن ناقشتهم بمبادرة الملكة رانية رأوا معي أنها خطوة في الاتجاه الصحيح، إنها شعاع أمل لأطفالنا وللعملية التعليمية في القدس، وهي أنشودة فجر جميل لغد يحمل معه طيف الحرية والاستقلال، نعم .. إنها بداية مسير في درب طويل أوله مدرستي وآخره .. فلسطين ..!!
..........