أبحر إليه بأشرعة ممزقة لكنها قادرة على تحدي الأنواء.. أعبر إلى ضفته النائية فتتبدى لي كمرفأ لم تلوثه النفايات.. أقتحم منفاه رغما عنه لألوذ بقلبه المسكون بالغربة غير طامعة بامتلاك ركن فيه.
أفتح بابا يفضي إليه، يبتلعني عالمه الموشوم بالأسى فأمكث هناك زمنا، أرتشف عصارة همومه التي لا تخرج عن نطاق همومي، فالأرض التي حملتني حملته، والهم الذي طالني طاله، إنه حقل أوجاع زرعت نفسي فيه فزادني وجعا.
شاهقة قمة هذا الرجل، لست أدري لِمَ لَمْ أتسلق ذات يوم بنيانه المتنامي، رغم أني أرهقت بصري بقراءات شتى دون أن أحظى بمؤلف ينتسب إليه.
إنها صديقتي! هي التي أشعلت الجذوة دون أن تدري، أهدتني رجلا من ورق فنفختُ الروح فيه حتى صار ملاذا.
كنت بحاجة إلى جليس يؤنس وحدتي ويبدد وحشتي فاقترحتهُ علي، ثم ذكرت لي بعض منجزاته ورسمت لي دون أن تدري طريقا سلكته مرارا في غمرة اشتياقي.
تحدثتْ عنه بانبهار أثار فضولي فتلهفت لسماع المزيد، كان معظم ما قالته متوائما مع طبيعته كشاعر، لكن شيئا ما في هذا الرجل بدا لي مختلفا عمن سواه، وهذا ما جذبني بشدة إليه.
أربكتني التماعة عينيها وحمرة كست وجنتيها كلما أثنت عليه، وزادتني انفعالا تلك الابتسامة المطعّمة بنشوة تتخطى حدود الإعجاب بكثير، لكني أحكمت لجام لساني الذي كان يستعد لإلقاء سؤال عن طبيعة علاقتها به، رغم أنها قالت لي في مستهل حديثها إنه صديق قديم وحميم لزوجها.
بدا لي من خلال حديثها أنه رجل استثنائي، جاء إلى عالمنا في التوقيت الخاطئ، تحدثتْ عن أسلوبه الراقي بالتعامل مع كل شيء، قالت إنه أشبه بشخصية ابتدعها خيال سام.. شخصية لا تنتمي إلى عالمنا من قريب أو بعيد، إنه مغرم بكل ما يحيط به، يرى الحياة بمنظار لا يملكه سواه، يتعامل مع الملعقة والشوكة والسكينة ومع سائر أدواته بمودة ورفق، لكأنها كائنات تتنفس، يحنو على النبات ويلقي عليه التحية كلما مر بجواره.. يا ويلتي.. ما باله وهو يتعامل مع البشر؟ وأنا قد سئمت أولئك الذين يلقون في وجهي نفاياتهم ما أن تسقط عن وجوههم الأقنعة، ليتني التقيته في عام من أعوامي التي لم يمرق خلالها إلا المسوخ.
لا أحد يدري كم أمضي في صحبته من ساعات دون أن يعتريني السأم، إنه عالمي السري الذي بت أخشى عليه من نفسي، وفي غفلة من الجميع حزمت مشاعري وألقيت بها بين صفحاته، لتغدو ملكا له وحده برغبة مني لا برغبته.
أتلو لغته بشغف، تقفز من قلب حروفها أشواك توخز قلبي وذاكرتي الضالة المغتربة، أشعر بآلامه تزحف صوب آلامي لتلتحم بها، ثم ننضم إلى موكب أوجاع شعب بأسره، ذلك الشعب الذي شتته الحروب واحتضنته المنافي.
يؤلمني شوقه لمدينته.. أكاد أنشطر نصفين وهو يتحدث عن غربته وعن حياته كلاجئ، وكم تمنيت أن أصبح نقطة.. مجرد نقطة في عالمه المترع بالأوجاع والكلمات.. أنا التي أصبحت جزءا من وجوده دون أن يشعر بوجودي.
يا لهذا العالم كم هو ضيق، كنت أظن أن لقائي به شبه محال، لكن صديقتي محقت هذا الظن وفاجأتني بما لم أتوقعه، قالت لي في آخر زيارة لها، إن الشاعر الذي أعرتك كتابه قادم بعد أيام، وهو يرغب في مقابلتك لأني حكيت له عنك كما حكيت لك عنه.
ارتبكت.. غمر وجهي الشحوب، كنت أحاول أن أداري انفعالاتي خشية افتضاح أمري، فأنا لا أنوي الإفصاح عما يجيش بداخلي، ولم أكن على استعداد لمصارحتها بحقيقة مشاعري تجاه شخص لا أعرف عنه شيئا سوى ما أخبرتني هي عنه.. حتى أني لم أفكر في متابعة أخباره أو الحصول على صورة شخصية له رغم أنها موجودة على الكثير من المواقع الاجتماعية والأدبية، لم أفعل لأني عشقت كيانا أردته أن يكون في منأى عن الواقع، والواقع لا يحمل لي في الغالب إلا المزيد من المفاجآت والصدمات التي أتلقاها من البشر.. من أجل هذا أغلقت بابا على عالمه الذي يناسبني.. عالمه الذي كان في الواقع عالمي الذي أردته أن يكون خاليا تماما من أية شوائب أو منغصات تعكر صفو مشاعر لطالما أردت لها أن تكون في مأمن، وأن تنعم بالسلام.
مرت الأيام أسرع من المعتاد أو هكذا بدت لي.. اتصلت صديقتي وحددت لي الزمان والمكان.
أصابني التوتر في تلك اللحظة فانهارت كل قواي.. كنت أخشى على صورته أن يشوهها اللقاء، فالناس تبدو أجمل من بعيد وما أن يزول الغموض عنهم حتى يختفي السحر الذي يشدنا إليهم، وأنا لا أريد لهذا السحر أن يزول إنه يعني ديمومة توهج مشاعري.. وكم أتمنى أن يدوم عمرا بأكمله دون أن يفقد مثقال ذرة من سطوته عليّ، لكنني ورغم هذا لم أتمكن حينها من تجاهل نبضات قلبي التي كانت تحثني على سرعة الذهاب إلى مكان هو أهم وأجمل من فيه.
قلبت محتويات خزانتي.. قاومت رغبتي في ارتداء ملابس تظهر مفاتن جسدي.. ارتديت فستانا شاحبا يشبهني فلقد هرب دمي.. كل دمي ما إن أغلقت الخط مع صديقتي.
في الطريق إليه حدثت نفسي طويلا ووعدتها بما تتمناه، ثم أعدت إلى عروقي الدم الهارب منها ما إن اتخذت قرار إغلاق هاتفي المحمول والعودة إلى البيت فورا.
أسلوب سردي مشوق وأنيق.. سرحت في مشاعر القاصة حقا وتلبسني من وحيها طيف..
حتى رغبت هذا اللقاء وتوقعته بخيالي وودته لو حدث فعلا..
إنها الروح سيدتي الفاضلة ولا أراها تخطئك أبدا حدسا وإيحاءا...
دمتم بألق وكل عام وأنتم بألف خير
مودتي والتقدير
أسلوب سردي مشوق وأنيق.. سرحت في مشاعر القاصة حقا وتلبسني من وحيها طيف..
حتى رغبت هذا اللقاء وتوقعته بخيالي وودته لو حدث فعلا..
إنها الروح سيدتي الفاضلة ولا أراها تخطئك أبدا حدسا وإيحاءا...
دمتم بألق وكل عام وأنتم بألف خير
مودتي والتقدير
وأنت بألف خير أستاذ ألبير
أسعدني حضورك وبهاء إطلالتك و هذا التفاعل الجميل مع النص
الحقيقة أن تخيلك وتوقعك و حتى رغبتك في حدوث مالم يحدث يرضيني ويسعدني كقاصة
ذلك أن النص حاز على اهتمام وتفاعل قارئ متمرس يفخر بحضوره الكاتب والنص على حد سواء
دمت بخير و بهاء
لك مني أعطر التحايا وباقات ود
ظللت واجماً وأنا أقرأ الكلمة الاخيرة . تجاهلت قرار الكاتب . رحت أكمل لقائي بصديقي الشاعر المغترب .
أخباره انقطعت عني . غير خبر غير مؤكد أنه مات . و.... الله عليك يا رائعة . أشكرك كثيرا قد فززتي
شجوني .. تحياتي أختي سولاف..
وكأنها قصة مرت بأي شخص..تلهف وشوق ثم خوف وهرب يتبعه ندم...
سرد رائع شدني بقوة حتى النهايه..
أسعدني حضورك البهيج أستاذ قيس
وسرني أن القصة نالت استحسانك
ربما تكون قصة أكثر من شخص كما تفضلت وربما يكون القرار غير متبوع بندم
في النهاية لا أحد يعرف كيف يتخذ الآخر قراراته وبناءا على ماذا؟ وحده الآخر يعرف .
وما علينا إلا أن نتأمل ونتعاطف وقد نكتب .
أسعدني حضورك حقا
كل التقدير والمحبة
بقيت معها اتابع وكنت انتظر اللقاء وماذا سيحدث ولكن!!!!
جاء القرار لينهي ويسكت كل شيء
كل عام وأنت بخير
كل عام وأنت بألق
محبتي
الله على إطلالتك المحببة يا غالية
سرتني متابعتك وانطباعك وكان بودي أن أحقق رغبة القارئ في وضع نهاية ترضيه لكن الواقع نفسه لم يعد يرضينا ..نظرا لما يحدث حولنا من متغيّرات ومن أزمة ثقة بين البشر على كل الأصعدة .
لذلك جاءت النهاية على هذا النحو الصادم .
كل عام وأنت بألف خير أيتها الغالية
كل عام والنبع يفخر بمبدعيه ومبدعيه يفخرون به
تحياتي وقبلات على الجبين
سلاما جميلا
لايختلف اثنان على اسلوبك السردي المشوق وشخصيات عالمك الورقي التي تبقى ماثلة في المخيلة
حسناً فعلتْ بطلة القصّة وعادت أدراجها فكم من كاتب وأديب تهشمت صورته أمام قرّائه بتصرفاته اللامسؤولة
فحين كانت المسافة بعيدة بين الأدباء والقرّاء ظلت صورة الأديب متوهجة ترتقي لمصاف الآلهة , وحين تلاشت الحدود أيقن القارئ ان الأديب بشر مثله بكل تناقضاته
تحيتي لك ياجنية السرد
التوقيع
ممن اعود ؟ وممن أشتري زمني ؟ = بحفنة من تراب الشعر ياورق؟