على مكتب فاخر ، جلس يدوّن في الأوراق البيضاء سيرة هجينة، الملف يتنقل بين المكاتب... والسلم الإداري محترم .. وخربشات الأقلام تختلف باختلاف الأشخاص.
صدأ قاتل يسيل على الأسطر، مداد أسود يعصر الكلمات، قلت في هسهسة ميتة: غداً تباع سيرتي الجديدة في الأكشاك.. الناس الغفلة يلتهمون الخبر دون روية، والأذكياء يطرحون الإشكالية..!
جاءني وهو يتماوت في مشيته، بين الحين والآخر يرسم على شفتيه ابتسامة حمقاء فقال:
ــ ملفك ستنظره عقول مختصة بعد غد...
ــ ما سر تلك الفراغات المبثوثة في جسد النص..؟
ــ ويلك ، أما تعلم أن النص يتنفس منها أثناء نومه فوق الرفوف؟ فهو قد يحيا من جديد وفي كل زمان ومكان ..!
ــ كلمة الهامش كادت تقتلني .. تجردني من هويتي، تسرق حبي لوطني .."سري للغاية" ماذا يعني ذلك ؟
نظر إليّ في خبث، واستدار فجأة كمن مسّه سعار..
انكمشت البسمة على وجهي ..وتمخضت الأمعاء.. وانحبست شهقة جارحة في للبلعوم.. وكاد القيء أن يكون دافـقاً..
ثوان مرت ، سمعت هدير سيارة يقاتل الزمـن، بابها يوحي باحتمال فتحه المفاجئ .. جلست والظلمة تهمس في أذني كلمات. ركد الهواء، عجزت الحنجرة عن تفريغ شحنة الألم..
والضمادة السوداء تعكر صفو الرؤية، وتخدش حياء العينين.. والقيد اللعين يأكل من يدي.. !
لا أدري من أنـا...؟ ملف..؟ وثيقة..! رقم ضائع ..!؟ لست أدري.. !
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد فتحي عوض الجيوسي
عندما يصبح الظلم وسيلة لحياة الظالم يغدو المظلوم بلا هوية ومكان ولا عنوان ولا قيمة إلا رقما وملف النص مشغول بحرفية ترسم الحال أعجبني جدا
نعم المبدع المتألق محمد عوض، كم من ظلم حطم الحياة لإناس كثيرين ،
حتى أصبحوا لا يعرفون أنفسهم وذواتهم وأهلهم.
شكرا على قراءتك القيمة ، قراءة مشجعة لي .
تحياتي وتقديري ، حفظك الله.