القرائية والتعلم النشط والبرمجة اللغوية العصبية والتربية الدولية
(1)
ترتبط القرائية بالتعلم النشط ارتباط الأداة بالهدف والوسيلة بالغاية، وقد أشرت إلى ذلك في آخر مقالي السابق "القرائية .. طريقة تدريس تركز في تحليل المحتوى لتكوين عادات عقلية ذاتية في إطار التعلم النشط".
وإن تلك العلاقة واضحة في مستويات التدريب العليا، فتظهر في الأدلة الإرشادية الصادرة عن مشروع "تحسين الأداء التعليمي للبنات" والوزارة، لكنه يختفي في الأدلة التي تصدرها المديريات بالتعاون مع لجنة القرائية التابعة للوزارة، ومن أدلة اللجنة نفسها عند المستوى التطبيقي، ومن ثم تختفي عند آخر حلقات التدريب الخاصة بالمعلمين التي تجري في الإدارات.
ما معنى ذلك؟
معناه أن المدربين الأوائل تدربوا على الحزمة المتكاملة، وعندما جاءوا يدربون على مستوى المديريات والإدارات اختزلوا الأمر، أو اختزل لهم الأمر لسبب ما غير واضح.
كيف؟
يورد الدليل الإرشادي للصف الأول "أ/ ز" الصادر في أكتوبر 2011، ص7، وكذلك كتاب "برنامج تنمية مهارات القراءة في الصفوف الدراسية الأولى- دليل المتدرب" الصادر في أكتوبر 2011 ص9- بند النموذج المقترح في التدريب، فيقسمه خمس مراحل تأتي الأولى ممثلة للجنة التخطيط، وهذه لا تهمنا هنا. ثم تأتي بقية المراحل، وهي ما تهمنا؛ لأنها المتصلة بفلسفة التدريب، وتفصيلها كالآتي:
[ 2- مدخل تدريب برنامج تنمية مهارات القراءة لفريق المديرية والإدارة:
- المشاركون: الكوادر التدريبية في المديريات والإدارات التعليمية والمختارين من الموجهين/ات والمعلمين/ات.
- عشرة أيام تدريبية للتدريب على (برنامج تنمية مهارات القراءة - التعلم النشط - التوجيه الفعال والإرشاد التربوي- استخدام المكتبة – تدريب المتدربين).
3- مدخل تدريب المعلمين على برنامج تنمية مهارات القراءة للصفوف الأولى:
- المشاركون: مدرسو الصف الأول.
- ثمانية أيام للتدريب على (برنامج تنمية مهارات القراءة – التعلم النشط – الإرشاد التربوي- استخدام المكتبة).
4- مدخل تدريب الموجهين:
- المشاركون: موجهو اللغة العربية والمعلمون/ات الأوائل.
- خمسة أيام تدريبية للتدريب على (برنامج تنمية مهارات القراءة – التعلم النشط – التوجيه الفعال والإرشاد التربوي).
5- تدريب المديرين ومسئولي وحدات التدريب:
- المشاركون: المديرون والنظار، ومسئولو وحدات التدريب، ووحدات الدعم الفني.
- يومين للتدريب على (برنامج تنمية مهارات القراءة - التعلم النشط – التوجيه الفعال والإرشاد التربوي- استخدام المكتبة)].
هكذا نرى ارتباط التعلم النشط بمهارات القرائية، فماذا عن الأدلة التطبيقية التي تشرح الدروس التي يُدَرّب عليها المعلم؟
يختفي كل شيء عن التعلم النشط.
كيف؟
في الدليل الإرشادي للصف الثالث الابتدائي للفصل الدراسي الأول الصادر في سبتمبر 2014م الذي أعدته إدارات القرائية بالمحافظات برعاية إدارة القرائية بوزارة التربية والتعليم كما جاء في المقدمة ص2 لمعلمي الصف الثالث الابتدائي، وفي الدليل الإرشادي للصف الثاني الصادر في سبتمبر 2013م عن مشروع تحسين الأداء التعليمي للبنات لمعلمي الصف الثالث الابتدائي، وفي الدليل الإرشادي للصف الرابع الابتدائي الفصل الدراسي الأول الذي أعده فريق القرائية بمحافظة الجيزة برعاية إدارة القرائية بوزارة التربية والتعليم الصادر في سبتمبر 2014م ص2 لمعلمي الصف الثالث الابتدائي، وفي الدليل الإرشادي للصف الأول الابتدائي الصادر في أكتوبر 2013 عن مشروع تحسين الأداء التعليمي للبنات- نجد تعليمات الدليل موحدة، وكلها لا تشير إلى التعلم النشط من قريب أو بعيد.
لماذا يحدث ذلك؟ أيعتمدون على أن نتائج تنفيذ استراتيجيات القرائية ستقود إلى التعلم النشط نصوا عليها أم لم ينصوا؟ أم انهم قللوا الفكرة عند التطبيق لأمر ما ظهر لهم؟
لا أدري السبب، لكنني أدرك أن غياب اقتران التعلم النشط باستراتيجيات القرائية لا يجعل الرؤية واضحة عند المعلمين/ات، فيفقدون المعيار الأساس لهذه العملية التعليمية المنصوص عليها من قبل منتجي القرائية.
ما هي؟
إنها سر العملية كلها المشار إليها في الأدلة: (... وقد صمم هذا الدليل على وفق مبادئ تعلم الكبار والتعلم بالخبرة الذي ينهض على إيجابية المشارك).
ما معنى ذلك؟
معناه أن تلميذ الصف الأول الابتدئي والثاني الابتدائي والثالث الابتدائي ومن تلاه لا يُنظر إليه في القرائية النظرة التي تشيع عند المعلمين من أنهم أطفال لا يعون ولا يعرفون وليست لهم خبرة يمكن استثمارها في تعليمهم. لا، ليس الأمر كذلك، بل هو محور العملية التعليمية، وما المعلم إلا موجه ومرشد وميسر للتعلم.
(2)
إن المعلم لو تخطى هذه الكلمات من دون أن يعيها وعيا نظريا وتطبيقيا فإنه سيفقد معنى الفكرة القرائية، وسيستمر على سابق خبرته في التعليم وفي التقويم. ولن تفيده استراتيجيات القرائية.
كيف؟
إن هذه الطرق التي تتسرب مفاهيم القرائية من خلالها إلى التلاميذ سميت استراتيجيات؛ لأنها تبني عادات عقلية جديدة في التفكير على المدى البعيد بالتكرار المنظم الروتيني، وتئول بصاحبها في نهاية المطاف إلى شخص جديد مبرمج برمجة لغوية عصبية وبرمجة ذهنية تفكيرية مختلفة عما كان في البدء؛ فالقرائية تلتقي مع البرمجة اللغوية في إطارها العام من تبنيها برنامج محدد يُتبع اتباعا حرفيا؛ لتؤدي في النهاية النتائج المرجوة والمقصودة.
ولعل هذا التغيير المستهدف بهذه البرامج الثابتة المحددة يجعلنا نقف عند انطلاق تلك الدعوة القرائية واستراتيجيتها من مشروع "تحسين الأداء التعليمي للبنات"، ونسأل: لماذا البنات فقط؟ لماذا لا يكون الأمر "تحسين الأداء التعليمي لكل المتسربين من التعليم ذكورا وإناثا؟
يبدو أن هذا الأمر يردنا إلى ما نعرفه عن أن الغرب منذ القديم يرى في المرأة وبرمجتها على وفق نموذجه أداة من أدوات تحكمه في البلاد الإسلامية والشرقية، وقد زادت الوسائل بثورة الاتصالات التي جعلت من الكون حجرة صغيرة؛ مما أفرز النظرة الجديدة التي ترمي إلى إعداد المواطن العالمي وليس الوطني المحلي؛ فهناك المقررات العالمية، وهناك المدارس الدولية و... إلخ. ومن يسيطر على العالم سيكون هو المستفيد من ذلك، ويكون تنميته لنا من قبيل تنمية الجزار ذبيحته كي تفيده عند ذبحها، لا من رحمته بها، أو إرادة الخير فقط.
(3)
وبغض النظر عن هذه النوايا فإنه يجب علينا أن نَعدّ هذا الأمر وسيلة من الوسائل التي يباح لنا أن نأخذها عن الغرب لنصنع تجربتنا التي تتوافق معنا، وهذا يوجب على الإدارات التعليمية أن تنشر في المعلمين الحزمة الكاملة التي تعلموها حتى تكون التجربة ثرة مفيدة منتجة.