وقفة عند نصّ كوكب البدري "سامرّاء"

رابط النّص
https://www.nabee-awatf.com/vb/showthread.php?t=30324

سامراء...للمبدعة العراقية كوكب البدري
*****
نصّ نثريّ شعري نقف فيه على ماهو أقوى حضورا وأعمق أثرا في شخصية وهوية الشاعرة المبدعة كوكب البدري...
فعلاقة الذّات ومدن الإنتماء جدلية تدعمها مقولات الفلاسفة إذ قال الفيلسوف الإسباني أورتيقا"أخبرني عن المشهد الذي تعيش فيه أقل لك من أنت "وآخر في قولته"لكي تعرف من أنت لابد أن تعرف المكان الذي أتيت منه "
و"سامرّاء" التي تسرّ من رأى والتي قال عنها البحتري واصفا بركتها :
تنصب فيها وفود الماء معجلة --- كالخيل خارجة من حبل مجريها
كأنما الفضة البيضاء سائلة --- من السبائك تجري في مجاريها
هي كوكبة العشق لكوكب
وكوكب سادنتها التي تحرسها بالشّعر والنّثر
ينبجس منجزها الكتابي في هذه المدينة من عمق وجدانها فيجيء مزخرفا حاملا انتماء وشهادة هوية ..محققة لشاعرتنا الامتلاء بالاعتزاز والشموخ
ققتول كوكب في بداية نصها

مازالت (سامرّاء) كحلًا في جفون الدّهرِ
وهمسًا شجيًّا في ناي الوجودِ
أعشقُ كلَّ مالها من ودادٍ
وكلَّ ماعليها من ضَجَرٍ
فالبداية يلامس فيها العشق آخر مطافاته لينحدر في صراع الاستمرار والبقاء
واستعماله "لجفون الدهر..وناي الوجود..به الماع الى هيمنة الحضوروقوتها . هو ابداع وتنظير وترميز والرمز بشتّى صوره المجازية والبلاغية والإيحائية تعميق للمعنى المقصود في خلود هذه المدينة على مرّ العصور.
وقد استخدمته شاعرتنا بشكل جمالي منسجم دقيق و مقنع محقّقة بذلك ارتقاء في تعميق شعرية الكلام في سامراء..
فهي فوق الزمان والمكان حية نابضة لا تطمس لها معالم ..
أمأ قولها
أعشق كل ما لها من وداد
وكلّ ماعليها من ضجر
فهو الإمتداد المكتنز المكثّف لنصّها ..ففي عشقها حالتان على طرف نقيض بين الوداد والضجر
فهو اللّذة في العشق ...والعشق في الضّجر ....والعشق في كلّ الحالات .
وهي صورة صنعت بها اضافة مميزة في ظفيرتها اللّغوية الماتعة .
وفي مكاشفة بصرية للنص نلاحظ أنه محكوم بلحظتين .
ولحظة بين التنّامي والإنسياب في سطر طويل نسبيّ
كقولها
أفتّشُ في ثنايا شمسها عن ذاكرة الخلودِ، عن مكاتيب الزّمن الماضي، وعن حكاياتِ فرسان النّهر، أولئك الذين أورثوني مهمَّةَ حراستِه فصرتُ سادنتَه بامتيازٍ.
ولحظة قصيرة السّطر كقولها
أعشقُ كلّ مالها من سكونٍ
وكلَّ ماعليها من ظنونٍ
لينتهي النّص بالعودة الى المقاطع القصيرة ..وقد بدت لي كوكب في هذا النمط بانفلاتاتها اللغوية الماتعة بين نظام الايقاع والسرد دافعة بمنشئها النصي الى كسر الشعر بالنثروفقا للعملية الإبداعية التي انبنى عليها النصّ لحظة مكاشفته ...
أمّا ما يتصل بمعمار نصّها ودلالاته وتجلياته فكلّما تقدمنا في قراءته اتسعت المعاجم
معجم الشموخ والخلود لمدينة سامراء ولعل من أبرزها وأعمقها .
"أفتش في ثنايا الشمس عن ذاكرة الخلود "وهو تعبير متوهج يرفد جمال الصورة الشعرية وبلاغتها وعمقها ...لتعلن دورها في مقارعة الإندثار والتلاشي وحراستها لمعالم سمراء فهي سادنتها ...وللمفردة عمقها الصوفي المبهر فهي تتعلق بخادم الكعبة الشريفة وهي استعارقويّة جدا نورانية جدا مضيئة جدا ..
وهذه شذرات اخرى من نصها تتكئ على منظور لا يجيئ من رؤية يومية للمدينة بقدر ما يجيئ من حالة تذكر والهام وعشق .
"أعشقُ كلّ مالها من سكونٍ ماعليها من ظنونٍ ..كل ما لها من خيال...كل ماعليها من قيود. مالها من كبرياء...كل ما عليها من ضياع..مهدُ حرفيَ الأوّل، ومسقط قصائدي الخجلى، هي المنديلُ الذي يلوّحُ لي بالأمان، وهي كل ألوان قلبي الدّاكنة العشقِ.يغشاني عطرُها في أزمنةِ الوحدةِ، يصبُّ فجرُها في دفاتري أسرارَ السّهدِ ودقائق الإنتظار، ولهفةٍ مجهولةٍ لمواعيدَ قد يكبّلها الحظرُ وقد لاتكون...هي رئةٌ سريّةٌ في جسدِ الوجو ودمعةُ عاشقةٍ منسيةٍ في رحم الخلودِ وهي عناقيدٌ من النّجمِ المختبئِ خلف أستارِ الشّجون...

كلمات ...مضاءت تشع في كل الصور نتموأج على أوتارها ...على شجاها ...على أشجانها..
نص يتداخل فيه السردي بالشعري يتعبّد بكل طاقات مبدعتنا في محراب مدينة سامراء المنتصبة عبر التاريخ وهي تومئ على لسان كاتبته الى ما وراءها من حضارة وتاريخ ومجد...
في استبطان لحالة حنين شعورية تدفق من خلالها نص عبر تقنيات اشتغلت على تيمة شعرية المدن التي هي هويتنا ..
فمع "سامراء"تجلت حكاية عشق سرمدي تلبست فيه تخوم بين شاعرة ومدينة في صورة مخالفة لسياقات العشق
فالنص يحتاج إلى وقفة طويلة وتحليل عميق واستحضار لمعجم الشاعرة الفني ومتابعة سياقاته وصوره المتشابكة المترابطة وهي في كل هذا تسبح بنا في بحر من الكلمات المعبرة ...
مهدُ حرفيَ الأوّل، ومسقط قصائدي الخجلى، هي المنديلُ الذي يلوّحُ لي بالأمان، وهي كل ألوان قلبي الدّاكنة العشق
فمدينة سامراء هي مسالك الخلاص من كل ضيق ينتاب الشاعرة وهي ملهمتها تمنحها الأمان والتوازن ...
و يبلغ القول ذروته في "يصبُّ فجرُها في دفاتري أسرارَ السّهدِ ودقائق الإنتظار، ولهفةٍ مجهولةٍ لمواعيدَ قد يكبّلها الحظرُ وقد لاتكون...
هي رئةٌ سريّةٌ في جسدِ الوجو ودمعةُ عاشقةٍ منسيةٍ في رحم الخلودِ وهي عناقيدٌ من النّجمِ المختبئِ خلف أستارِ الشّجون...
فكأني بشاعرتنا في هذا المقطع بالذات تحملنا الى عمق معاناة لراهن وطنهاعبر خطابات توظيف لمستويات نلتقط منها ذبذبات الذات بمغاليقها ....بألمها وتمزقها ..
وفي مقطع آخرتصرّ الشاعرة على كشف رجع صدى الماضي بكوابيسه وضيقه
فتقول
"وأخشى أنّها لم تعد تذكرني سوى في ليالي الحروب.
كم مرّةٍ توسلتُ آثارَها أن تحفظَ صدى صوتي المبحوح، فلاترضى.
وكم مرّة توسلتُ شوارعَها أن تذكرَ ملامحي فتأبى؛ فهي تحاولُ أن تلمَّ جراحها، و أن تحيط ماتبقى لها من ماضٍ بشرنقة الحياة. فقد أنهك قلبَها الانكسارُ."
فهي تنشد الفكاك ...وهي لعمري لجظة شعورية قوية تقفز فيها خارج اسوار ذاتها لتبني خطابها الإستعاريّ وتتوسل شاعرتنا مدينة "سامراء" أن تذكر ملامحها لكنّها تأبى ...
يتخبط الشعر على فمها ....يعبّب النّفس...ثمّ يغرق...وقد أنهك قلب سامراء الإنكسار

"ترجو خطايَ لو تسلكُ دربَ الجسرِ القديمِ، لو تفتحُ جسرا بين قصري العاشق والمعشوق، لو بدمعةٍ أسقي كلَّ ماعليها من غبار التّاريخ كي ينهضَ منتفضًا، فقد آنَ أوانُ الخيلِ."
كلمات يرتاد صداها أغوار تاريخ سحيقيروّض الخيل أن آن الأوان لتهبّ فتيّة عتيّة
وتنتهي كوكب بنا في نصها الى استعارة صوت التاريخ وحكمته ليضفي مشروعية المدائن للمدائن ...
وسامراء
هي رئةٌ سريّةٌ في جسدِ الوجود
ودمعةُ عاشقةٍ منسيةٍ في رحم الخلودِ
وهي عناقيدٌ من النّجمِ المختبئِ خلف أستارِ الشّجون...
وتقفل بفسحة قاطعة مع الإستسلام ستبطنة معاني القوّة والثّبات والصّمود
فألف سلام عليك يا سامراء
يومَ بُنِيَتْ
ويوم هُجِرَتْ
ويومَ للحضارةِ "تعودين"
نصّك ماتع رهيب يا كوكب ...فتقبلي مني ما ارتسم في وجداني منه من خلال هذه التهويمة الخجولة ..




________________

استحق هذا النص الفاره هذه الوقفة المتوغلة منكم أيتها الخبيرة
ما أحاطت بجوانب جماليته وإبداعه، وأعطته من حقه في النقد ما بيَّن مكامنه الراقية
التي حرصت كاتبته على إيرادها عفوية صادقة وشجية مجبولة بالخفقات
سلمت حواسكم ودمتم للنبع ذخرا وفخرا

النص جميل في مدينة جميلة بموقعها وتاريخها وماضيها وحاضرها
من كاتبة عرفت كيف تشتغل على النص بحب ووفاء لأيقونة من أيقونات
المدن العراقية . وما زاد النص تألقا وأنسا قراءتكم أستاذة منوبية التي
ألبست النص وسامراء وشاحا من حرير .
تحية تليق على هذه القراءة المستفيضة التي شملت النص بكل جوانبه
الأدبية والفكرية والإنسانية والحضارية . ودمت في رعاية الله وحفظه

تثبيت

سيدتي
منذ قراءتي لدراستك قبل ساعتين وحالة من الذّهول والفرح والاعتزاز تملؤني، بل شعرتُ بأنّي على بساط الأحلام السّعيد الذي ينتظر نجمة ما تأخذه وتطير به بين دروب المجرّات.
منذ قراءتي وفرح طفولي غامر يسكنني؛ أنا التي اعتادت التّهميش والإقصاء لأنني لم أبع قلمي وكنتُ مع جراح عروبتي. فشعرتُ أن حرفك العربي قد أنصفني وبارك حروفي معمدا إيّاها بعطر تونسي أخّاذ

ألف ألف ممتنة لحضرة جنابك الكريم سيّدتي الرّائعة

قراءة خلاّبة متقنة عرضت جوانب رائعة من نصّ أروع
للغالية كوكب البدري التي أبدعت بانثيالها المفعم بالأصالة والوفاء
أميرة الكلم منوبية
استمتعت جدا بالقراءة والتأمّل
بورك بوعيك ونضوجك وصدقك
والبيلسان لا يليق إلاّ بأهله

تصفيق من بعيد
للغالية منوبية على هذا الاختيار والدراسة والعميقة
وللغالية كوكب على هذا النص
الحق معك غاليتي كوكب فيما ذكرتيه لأننا نرى أهتمام كبير في نصوص ليست بالمستوى المطلوب لأمور كثيرة وهذا ما يجعلنا نفهم إن الساحة الأدبية في الوقت الحاضر تحكمها الكثير من الأمور وهي التي تصعد إسم وتبرز نص مع الأسف


رمضان كريم
محبتي

السيدة الأديبة منوبية الرائعة بروعة وقفتكِ الجميلة ، وقراءتكِ البليغة
العميقة لنص الأخت الحبيبة دكتورة كوكب ، أبدعتِ في التقاط المشاعر
المكنونة للشاعرة ، والتي طفح بعضها غصباً عنها لمدينتها الحبيبة
بنت عراقها الحبيب سامراء .
أنتِ ألبستِ جيد النص إكليلاً من سمو التعبير ، ورقي المعاني التي سبرت
النص بكل ما احتواه ، فتكونت لوحة مضيئة إلى جانب لوحة النص المتألقة .
سلم نبضكِ غاليتي ، ودام يراعكِ الذهبي الذي يعطي صاحب الحق حقه .
لكِ سلامي وتحياتي