مثلٌ أخر من أمثلة القرآن البليغة الجميلة . هب أن لك صديقا لا يحب رياضة كرة القدم مطلقا ولا يطيق مشاهدة مبارياتها لا على الأرض ولا على شاشة التلفاز . وذات يومٍ دعوته ليصاحبك للملعب لمشاهدة مباراة هامة جدا بين فريقين كبيرين . مهما ترجيته وآتيته من المغريات والمحفزات فإنه لن يصغي لك . وكذلك كان الحال مع الرسول الكريم وهو يجادل أئمة الكفار الميئوس من إقناعهم بالحق . اختصر القرآن كل ذلك الترجي والإغراءات وكل محاولات الترغيب والوعيد . وهؤلاء لم يؤمنوا بالقرآن العربي ولو جُعل أعجميا كما طلبوا لقالوا " لولا فصّلت آياته" . أي لا سبيل لإقناعهم البتة . فجاء بالمثل القوي البليغ البيّن الذي لا جدال بعده وكما تقول العرب: قطعت جهيزة قول كل خطيب ، فقال في جملة وجيزة "أولئك ينادوْن من مكانٍ بعيد" . ناد جماعة بعد أن يبتعدوا عنك ميلا أو ميلين . ناد بأعلى صوتك على قافلةٍ فصلت منذ ساعة أو ساعتين . المسافة الأرضية حائلٌ لا تخترقه الأصوات . والشخص الذي لايؤمن بمسألة ما كالذي سافر وضرب في الأرض وهو يقف بجانبك . ما أجمل أمثال القرآن الكريم وأفصحها .
آخر تعديل سرالختم ميرغني يوم 08-23-2016 في 12:00 AM.
وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ۖ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ۗ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ۖ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ۚ أُولَٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ( فصلت 44)
جزاك الرحمن ألف خير
فالحق سبحانه يُبيِّن أن القرآن لو نزل أعجمياً لطلبوا وتمنوا أنْ يكون عربياً، لكن بصرف النظر عن اللغة التي نزل بها هو في ذاته هُدىً وشفاء { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِيۤ آذَانِهِمْ وَقْرٌ } [فصلت: 44] أي: الذين لا يؤمنون به في آذانهم صمم، فهم لا يسمعون السماع النافع المثمر { وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى } [فصلت: 44] يعني: ظلمة وشبهات يتخبَّطون فيها.
إذن: فالقرآن واحد لكن النتيجة مختلفة، لأن استقبال القرآن يختلف باختلاف نية المستقبل، فالذي يسمعه بأذن واعية وقلب صافٍ غير مشغول بنقيضه يجده هُدًى، ويجده شفاءً، والذي سمعه باستكبار وقلب غير مُهيئٍ للإيمان يجده عَمىً، والأعمى يتخبط لا يدري أين يتجه.
فهذا يقرأ القرآن أو يسمعه فلا يفهمه ولا يتأثر به، وهؤلاء قال الله فيهم: { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً }
[محمد: 16].