المغرب ، بلد عربي واسع الارجاء ، وقد اغمد الله عليه بنعم قل ما تجده في بلد اخر !!!! انواع التمور والحمضيات ، وأنواع الفواكه و الاثمار ، بل كل ما تشتهي النفس. كالتين والرمان ، والعنب والموز.... الخ وأنواع الخضراوات. وتجدها طول فصول السنة بسبب ،عندما يبدا شتاؤه في شماله يكون الصيف في جنوبه.
كل مدينة في المغرب ، تتحلى بطابعها الخاص ، وأما القاسم المشترك فهو طيب شعبها ، فأينما تذهب تلمس هذا الطيب الغير مكلف.
خرجت كعادتي لأتجول في الاحياءا لشعبية لعاصمة المغرب الرباط ، أي في المدينة القديمة ( كل مدن المغرب مقسمة الى قسمين : الاول يسمى المدينة القديمة ، والثاني يسمى المدينة الجديدة ) تلك الاحياء التي لا تجد فيها تكلف ، ولا تصنع الابتسامات الدبلوماسية ، و انما الناس على طبيعتهم ، بسطاء ، أنقياء ، يتحلون بالقناعة ، والبساطة وطيب الاخلاق.
بين الازقة الضيقة ، والبيوت القديمة ، تجد الابرياء من الناس ، يبتسمون مع قسوة حياتهم ، لكل عربي غريب ، بدافع ايمانهم بالله.
في كل ركن من المدينة القديمة جامع صغير لا يخلو من المصلين ، يذكرك بايام زمان. تشعر وأنت تتجول في تلك الازقة الضيقة بطيب الناس وبساطة حياتهم.
بحكم زيارتي الى تلك الاحياء وطيب اهلها ، عرفوني وعرفتهم ، احترموني واحترمتهم ، وصار لي اصدقاء اعزاء ، فيهم الحمال ، وبائع العنب ، ومصلح الاحذية ، والخياط ، والبقال.
عرفوني باسمي وعرفتهم بأسمائهم . كنت افرح بلقائهم ، وينسروا بلقائي . كرماء يتحلون بعزة النفس. اوفياء للصديق ، والغريب ، وتشعر بعزة نفسهم ، كما تلمس أن الدين مغروس في اعماقهم.
يدعوني لشرب الشاي محبة وتقديرا ، واحتراما، مع اني لست من هواته. اول من القاه في بداية السوق صديق عزيز ، مرح ، قنوع ، كريم ، خلوق ، نشط ، اسمه احمد و مهنته حمال. احمد يساعد هذا وذاك ، ومكتفي بما انعم الله عليه.
صديقي احمد اول من يدعوني لشرب الشاي ، ولا مفر منه ابدا. نجلس على صندوق خشبي ونتحدث بامور الحياة ، خيرها وشرها. اما الاخرون ، فلا يقلوا عن احمد كرما ، وخلقا ، وطيبا ، ولا يدعوني ان اذهب الا بعد شرب الشاي . كنت اجلس عند احدهم تارة على صندوق خشبي صغير مملوء بالصابون او على حصير قد مزقته الماسي ، او كنت اجلس عند البعض ونادرا ما يحصل على كرسي قد ضعضعته السنون ، وتشعر عند جلوسك عليه ، ان الارض تهتز بك من جراء زلزال.
كانت زيارتي للمدينة القديمة وسوقها الشعبي ، تستغرق على اقل تقدير اكثر من ساعتين ، وبعدها اترك الهرج والمرج ، والصخب والضوضاء ، والطيب والبساطة، وأصدقائي الاخيار ، وأتوجه الى المدينة الجديدة والتي استطيع ان اقول عنها انها عالم اخر ، عالم الكشخة ، والنصب ، والتحايل. عالم الابتسامات الدبلوماسية والمصالح. عالم المادة والصراع من اجل الحياة الافضل ، عالم كل لنفسه.
تمشيت في الشارع العام قاصدا نادي الصحافة ، واذا بشاب طويل القامة ، لا يزيد عمره عن 25 سنة يحييني سائلا:
- هل الاخ عربي؟
- نعم عربي
- اسمي حسن ، و ارجو اني ما ازعجتك بسؤالي.
- عفوا ، كلا يا اخ حسن.
صار يحدثني عن أحواله ، انه انهى الثانوية ، الا ان اموره المادية لا تساعده ان يكمل دراسته ، ولهذا السبب انخرط في سلك الجيش ، ليتعلم صنعة ، ويأمل في المستقبل ان يتمكن من مواصلة دراسته.
تمشينا في الشارع العام نتحدث ، واذا به يدعوني بكل ادب للمقهى. استجبت لطلبه بشرط ان يكون هو ضيفي مراعاة لظروف حياته.
جلسنا بالمقهى وصار يسألني وكنت اجيبه بصدق.اخذنا الحديث ، فوجدته مثقفا.
المقاهي في المغرب تغلق في الثامنة مساء ، والشوارع تكون خالية الا من بعض المارة ، وقبل ان نغادر المقهى بادرني بقوله : انت سحرتني يا اخي العراقي وقطعت اليوم رزقي .
- سألته مستغربا ، أأنا الذي قطعت رزقك ؟ وكيف ؟ !!!!!!!!!!!!!!!!!!!
- نعم انت يا اخ صلاح .
اود ان اصارحك يا اخ صلاح بحقيقتي : انا حرامي وكنت ناو ان اسرقك الا انك سحرتني وجعلتني في عالم اخر. وها تراني اصبحت انسانا اخر.
- قلتها ضاحكا ، اانا الذي سحرك ؟ يا ابن الحلال ، انا لا اعرف السحر ولا اعترف بالسحر.
لماذا تسرق يا حسن ، اما تعرف ان السرقة حرام ؟
- لا استطيع ان اقوم بمعيشة والدتي ، وأخواتي ، ولا اريدهم ان يعيشوا اذلاء يا اخي صلاح ، ويجب ان اقوم بواجبي اتجاههم. وان شاء الله بعد اشهر ، انهي خدمتي في الجيش ، واجد لي عملا نعيش به.
اخذني العجب وتألمت على حاله جدا ، ولعنت العابثين بثروة العرب ، وبثروة الامة الاسلامية.
حسن صورة مصغرة للحالة المزرية التي تعيشها الملايين من البشر.
كتب لي عنوانه ، وأعطيته بدوري عنواني ، وتمشى معي لباب الفندق ، وقبل ان اودعه قدمت له مبلغا ليستعين به ، الا انه ابت كرامته ان يأخذ المبلغ مع الحاحي الشديد ، قائلا انت الان صديق ، وأنا لست شحاذا ، رجائي لا تجرح كرامتي يا صلاح. ودعت حسن ، صديقي الحرامي الشريف بألم ، نعم بألم.
كتبت له رسالة من المانيا ، حييته فيها على عزة نفسه واصالته ، وزرته بعد عام وفرح كل منا بالاخر .
حسن عنده دكان بسيط ويعمل فوانيس ويبيعها. كانت احلى جلساتي في محله البسيط واسمع حديثه الممتع.
حسن انقلب الى رجل يعتز بدينه ، شيء ادهشني بهذا التحول السريع.
تحية يا ابن المغرب الشهم ، تحية من اخ وصديق يعتز بك يا حسن.
اخوكم ابن العراق الجريح : صلاح الدين سلطان
آخر تعديل عواطف عبداللطيف يوم 07-04-2014 في 01:15 AM.
الأستاذ صلاح
سعدت أن أكون أول العابرين على هذا النص فنصوصك تدفعنا لقراءة كل ما هو جميل ففيها من الدروس والعبر التي جاءت من واقع الحياة وتجاربه
نعم الحاجة تدفع لكل شيء في بلداننا التي لا يفكر كيف يعيش هؤلاء ومن أين لهم أن يكملوا يومهم كما تعمل كل بلدان العالم المتحضر من تقديم المعونة الاجتماعية لحين الحصول على عمل حتى لا يمدوا يدهم لشيء أو يسلكوا طرقاً غير صحيحة
ولكن داخله كان طيباً ونقياً مما دفعه عندما وجد من يصغي إليه ويفهمه أن يعترف لك
وفقه الله في عمله الجديد وزاده من نعيمة
رمضان مبارك عليك بالخير ان شاء الله
تحياتي وتقديري
يااااااااااااا عواطفنا فرحت كعادتي بتعليقك ، وفرحت اكثر بتواجدك يا بنت العراق الاصيلة.
يا عواطفنا عندما زرت حسن في المغرب وجدته انسانا اخر بطيبه وايمانه وتمسكه بالدين الحنيف. شكرت الله على هدايته واستلمت منه كارتا يهنئني برمضان المبارك. يا عواطفنا كما قلت شبابنا تائه وحرامية بيدهم الحكم يعني: حاميها حراميها. بس انكول الله كريم.
شكرا على مرورك وزادني اعتزازا ، لكن مدكليلي اشوكت اتنامين؟ بالله هسه رمضان بس بعد رمضان لازم اتريحين نفسج يا بنت الحلال، لان الله لا يكلف نفسا الا وسعها.
اليوم هوايه ضحكت باحدى ردودي عليج.
تقبلي احلى سلامي يا عواطفنا العزيزة.
اخوكم ابن العراق الجريح : صلاح الدين سلطان