في أحد أزقة البلدة القديمة، حيث تتعانق رائحة التوابل مع صدى الباعة، كان أحمد يجلس في دكانه الصغير الذي كتب عليه بخط مهتز: "عسل جبلي أصلي – مجرب ومضمون". ولأنه لا يملك جبلاً، ولا نحلة واحدة حية، فقد قرر أن يصنع جبله الخاص... من السكر.
كان أحمد قد ابتكر وصفة سرية: يذيب السكر على نار هادئة، يضيف إليه لمسة من الكراميل، ثم يقطر فوقه قطرتين من ماء الورد ليضفي عليه شيئًا من "الروح الجبلية". ثم، بحذر شديد وحرص لا يليق إلا بعالم كيمياء، يفتح برطمانًا صغيرًا فيه نحلات ميتة كان قد جمعها من نافذة المطبخ.
كان أحمد يختار النحلات بعناية. "ليست أي نحلة تصلح لهذه المهمة!"، هكذا كان يقول لنفسه وهو يتأمل جثة نحلة ضخمة، عريضة العينين، فيهمس: "أنتِ يا جميلة، ستذهبين في قنينة العسل الممتاز".
وبالفعل، بعد أن يملأ القنينة بالشراب الذهبي المخادع، يسقط النحلة داخله كما لو كانت كبش فداء لنزاهة مزعومة. ثم يغلق الغطاء بقوة، يربت على الزجاج قائلاً: "وهكذا نضمن الثقة!"
وذات يوم، دخل الدكان رجل ضخم البنية، يرتدي عباءة منقوشة بنحل ذهبي، وقال بفخر: "أنا النحال أبو همام، أميز العسل من رائحته في الظلام". ارتبك أحمد قليلاً، لكنه ابتسم، ومد له إحدى القناني: "تفضل، من أعالي جبل... جبل الخيال".
فتح أبو همام القنينة، شمّ، تذوق، حدّق بالنحلة داخله، ثم قال:
"غريب... العسل لذيذ، والنحلة نوع لا يوجد إلا قرب محطة القطار...".
احمر وجه أحمد، لكنه تمالك نفسه وقال: "هاه؟ نعم نعم! نحلاتنا يتنقلن كثيرًا، يحببن القطارات...".
لم يقتنع أبو همام، لكنه ابتسم بمكر، واشترى قنينة. وبعد يومين، عاد ومعه ضابط البلدية، وورقة تفتيش.
في التحقيق، واجهوا أحمد بالأدلة، لكنه صاح بفخر:
"أنا لم أكذب! العسل من صنع يدي... والنحلات حقيقيات!".
ضحك الضابط وقال: "لكنهن ميتات يا أحمد... والعسل سكّر!"
وهكذا انتهى المطاف بأحمد إلى دورة تدريبية في "النزاهة التجارية"، حيث تعلم أن النحل لا يُباع ميتًا، والعسل لا يُطبخ على نار الغاز. أما قنيناته، فقد وُضعت في المتحف المحلي بعنوان: "فن الخداع الذهبي".