منذ بدء الخلق والإنسان أكثر ما يخيفه هو الموت
فحاول جاهدا إطالة عمره كالفراعنة وسعى إلى الخلود مثل جلجامش بحث طويلا عن اعشاب تمنحه الحياة الأبدية
ومع توافد الرسالات السماوية والديانات الأرضية
اقتنع الإنسان أن حياته بالنسبة للزمن وعمر الكون عبارة عن ح ق ج
حياة قصيرة جدا ..وربما ارضى غرور نسبة كبيرة من البشرية بأن الخلود بالتناسل والذرية وأما ما تبقى فأقنعوا أنفسهم أن الحياة الأبدية للروح بينما الجسد يفنى ويعود للتراب ويعود ليتشكل من الطبيعة ..وحسب قانون الطبيعة ( لافوازيه) فإن الفكرة صائبة إلى حد ما (في الطبيعة لا يفنى شيء ولا يخلق شيء من عدم كتلة المواد ...... الخ) وهكذا نجد أن عنوان النص أعطاه محتواه ومدلوله
نص عميق اختزل الكثير ...
تقديري لك اخي محمد ولك أعطر التحايا .
التوقيع
أنا شاعرٌ .. أمارس الشعر سلوكا وما أعجز .. أترجمه أحرفا وكلمات لا للتطرف ...حتى في عدم التطرف
ما أحبّ أن نحبّ .. وما أكره أن نكره
كريم سمعون
"حين تتحوّل اللحظة إلى أبد: قراءة في ومضة تقمّص لمحمد داود العونه"
كيف يمكن للحظة "تقمص.." أن تتحوّل إلى استعارة للحياة بأكملها؟ وكيف تنقلب المفارقة إلى مأساة حين يكتشف الإنسان أن ما أراده لحظة عابرة صار قدَرًا لا ينتهي؟ نص "تقمّص" لمحمد داود العونه يكثّف هذه الأسئلة في سطر واحد يفتح أبوابًا من التأويل.
رجل أراد أن يكتب قصة قصيرة جدًا، فإذا به يعيشها للأبد. لكنها في عمقها تفكك حدود النص والواقع، وتحوّل فعل الكتابة إلى مصير وجودي. القاص يضع القارئ في قلب المفارقة، حيث الرغبة في الاختصار تولّد دوامًا، وحيث الاقتصاد اللغوي يفتح على اتساع تأويلي بلا نهاية.
"الدخول الى عالم النص ينطلق من العنوان إذ هو صاحب الصدارة الذي يلقي بظلال سلطته على القارئ، ويفرض نفسه عليه" (الحمادي، 2024، ص. 96).
"تقمّص" يوحي بالتحوّل، بارتداء حياة ليست لك، بالذوبان في الآخر. وما يلبث المتن أن يبرّر هذا الاختيار: الكاتب لا يكتب النص، بل يتقمّصه، يعيش داخله، وينغلق في دائرته الأبدية.
يعتمد النص على زمن مباغت وسريع: لحظة قرار تتحول مباشرة إلى أبدية. الاختزال الزمني حيث تُضغط الحياة كلها في حركة سردية واحدة. أما المكان فهو غير محدد، فضاء أبيض يتيح للقارئ أن يملأه بما يشاء، إذ لا حاجة للتفاصيل المكانية أمام هذا التجريد الوجودي. الشخصيات بدورها تنحلّ إلى ذات واحدة، لكنها ذات رمزية، يمكن أن تكون القاص نفسه أو أي إنسان يقف على عتبة بين الرغبة والقدر.
الصدمة الكبرى. حين يقول النص "فعاشها للأبد" فإنه يقلب أفق التوقع انقلاب سردي يعيد ترتيب المعنى. القارئ كان ينتظر أن تظل القصة مجرد لعب بالكلمات، فإذا بها تنقلب إلى قدر فلسفي يلاحق الشخصية. المفارقة هنا تولّد الدهشة، وتدفع القارئ لإعادة القراءة مرارًا بحثًا عن ثغرة تنقذه من سجن الأبدية. "ويرى آيزر أن الشيء الأساسي في قراءة كل عمل أدبي هو التفاعل بين بنيته ومتلقيه"، (ديب & عطاالله، 2021، ص. 22)
اللغة في النص متقشفة حدّ العظم، لكنها غنية بالإيحاء. القصة الومضة لا تعيش على ما تقوله، بل على ما تحجبه. الحذف والإضمار هنا أساسيان، فالكاتب لم يقل كيف عاش أو أين عاش، بل ترك للقارئ ملء الفراغ. الفعل القرائي: النص لا يكتمل إلا حين ينخرط القارئ في إنتاج المعنى. النص الجيد يخرق أفق توقع المتلقي، وهو ما يحدث هنا تمامًا: توقعنا قصة عابرة، فوجدنا قدرًا أبديًا.
يمكن أن نقرأ النص كتعبير عن مأزق الكاتب العربي الذي يريد أن يكتب نصًا سريعًا مسايرًا لموضة "القصة القصيرة جدًا"، لكنه يكتشف أنه عالق فيها إلى الأبد، أسير جنس أدبي لا فكاك منه. نفسيًا، النص يكشف عن رعب الوجود: الإنسان يريد أن يختصر الطريق، لكنه يجد نفسه في متاهة زمن لا ينتهي. فلسفيًا، النص يحيل إلى فكرة نيتشوية عن العود الأبدي، حيث اللحظة الواحدة تتكرر بلا نهاية.
النص مفتوح على بعد إنساني عام: هل هي المرأة التي "أرادها قصة قصيرة" فإذا بها تظل قدرًا دائمًا؟ أم هو الرجل الذي أراد أن يختصر التجربة الإنسانية فاكتشف أن الحياة لا تختصر؟ النص يترك الباب مفتوحًا للتأويلات كافة، ويجسد: "النص الذي ينفتح على كل احتمالات التفسير، أي أنه النص الذي يقبل كل تأويل محتمل"، (القصبي، 2014)
هكذا، ينجح "تقمّص" في تكثيف أسئلة كبرى في جملة واحدة. قوته ليست في الحكاية، بل في الصدمة التي يتركها، في شعور القارئ أن النص لم ينته بعد، بل بدأ يعيش داخله هو الآخر.
فهل نحن نكتب نصوصنا، أم أنها هي التي تكتبنا؟ وهل يمكن أن تكون القصة القصيرة جدًا أطول من العمر نفسه؟ وهل التقمّص خلاص أم لعنة؟