عرض مشاركة واحدة
قديم 05-24-2014, 08:49 PM   رقم المشاركة : 3
أديب





  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة :عبدالله علي باسودان غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
افتراضي رد: الأستعارة في الشعر

ومثل قول امرئ القيس المتقدم ذكره في القبح قول مسلم بن الوليد:
وليلةٍ خلست للعين من سنةٍ ... هتكت فيها الصبا عن بيضة الحجل
فاستعار للحجل يعني الكلل بيضة، كما استعارها امرؤ القيس للخدر في قوله: وبيضة خدر لا يرام خباؤها وكلاهما يعني المرأة، فاتفق لمسلم سوء الاشتراك في اللفظ؛ لأن بيضة الحجل من الطير تشاركها، وهي لعمري حسنة المنظر كما عرفت.. وقال في موضع آخر:
رمت السلو وناجاني الضمير به ... فاستعطفتني على بيضاتها الحجل
فما الذي أعجبه من هذه الاستعارة قبحها الله!!؟ ولو قال " الكلل " لتخلص وأبدع فكان تبعاً لامرئ القيس في جودة هذه الاستعارة..
وقال حبيب على بصره بهذا النوع: والله مفتاح باب المعقل الأشب فجعل الله تعالى اسمه مفتاحاً، وأي طائل في هذه الاستعارة مع ما فيها من البشاعة والشناعة!!؟ وإن كنا نعلم أنما أراد أمر الله وقضاءه.
واعترض بعض الناس على قول أبي تمام:
وللجود باب في الأنام ولم تزل ... مذ كنت مفتاحاً لذاك الباب
بحضرة بعض أصحابنا، وقال: أتى إلى ممدوحه فجعله مفتاحاً، فهلا قال كما قال ابن الرومي:
قبل أنامله فلسن أناملا ... لكنهن مفاتح الأرزاق
فقال له الآخر: عجبت منك تعيب أن يجعل ممدوحه مفتاحاً وقد جعل ربه كذلك، وأنشد البيت المتقدم عجزه.
وقال في ممدوح ذكر أنه يعطيه مرة ويشفع له أخرى إلى أن يعطيه:
فإذا ما أردت كنت رشاء ... وإذا ما أردت كنت قليبا
فجعله مرة حبلاً ومرة بئراً.. وقال الآخر هو أبو تمام:
ضاحي المحيا للهجير وللقنا ... تحت العجاج تخاله محراثا

فلعنة الله على المحراث ههنا، ما أقبحه وأركه!!! وأين هذا كله من قوله المليح البديع:
أو ما رأت بردى من نسج الصبا ... ورأت خضاب الله وهو خضابي
وإن كان إنما أخذه من قول الله عز وجل: " صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة " قالوا: يريد الختان، وقيل: الفطرة.
والاستعارة إنما هي من اتساعهم في الكلام اقتداراً ودالة، ليس ضرورة؛ لأن ألفاظ العرب أكثر من معانيهم، وليس ذلك في لغة أحد من الأمم غيرهم، فإنما استعاروا مجازاً واتساعاً. ألا ترى أن للشيء عندهم أسماء كثيرة وهو يستعيرون له مع ذلك؟ على أنا نجد أيضا اللفظة الواحدة يعبر بها عن معان كثيرة، نحو " العين " التي تكون جارحة، وتكون الماء، وتكون الميزان، وتكون المطر الدائم الغزير، وتكون نفس الشيء وذاته، وتكون الدينار، وما أشبه ذلك كثير، وليس هذا من ضيق اللفظ عليهم، ولكنه مع الرغبة في الاختصار، والثقة بفهم بعضهم عن بعض. ألا ترى أن كل واحد من هذه التي ذكرنا له اسم غير العين أو أسماء كثيرة؟ ومما اختاره ابن الأعرابي وغيره قول أرطاة بن سهية:
فقلت لها يا أم بيضاء إنني ... هريق شبابي واستشن أديمي
فقال هريق شبابي لما في الشباب من الرونق والطراوة التي هي كالماء، ثم قال استشن أديمي لأن الشن هو القربة اليابسة؛ فكأن أديمه صار شناً لما هريق ماء شبابه؛ فصحت له الاستعارة من كل وجه ولم تبعد.
ومثل ذلك في الجودة ما اختاره ثعلب وفضله جماعة مما قبله، وهو قول طفيل الغنوي:
فوضعت رحلي فوق ناجية ... يقتات شحم سنامها الرحل
فجعل شحم سنامها قوتاً للرحل، وهذه استعارة كما تراها كأنها الحقيقة لتمكنها وقربها، وقد تناولها جماعة منهم كلثوم بن عمرو العتابي: قال في قصيدة يعتذر فيها إلى الرشيد:
ومن فوق أكوار المهاري لبانة ... أحل لها أكل الذرى والغوارب
ثم أتى أبو تمام وعول على العتابي وزاد المعنى زيادة لطيفة بينة فقال:
وقد أكلوا منها الغوارب بالسرى ... فصاحت لها أشباحهم كالغوارب
وكان ابن المعتز يفضل ذا الرمة كثيراً، ويقدمه بحسن الاستعارة والتشبيه، لا سيما بقوله:
فلما رأيت الليل والشمس حية ... حياة الذي يقضي حشاشه نازع
لأن قوله والشمس حية من بديع الكلام والاستعارة، وباقي البيت من عجيب التشبيه. واختار الحاتمي في باب الاستعارة في وصف سحائب وأظنه لابن ميادة، واسمه الرماح بن أبرد من بني مرة، وميادة أمه:
إذا ما هبطنا القاع قد مات بقله ... بكينا به حتى يعيش هشيم
ورواه قوم لأبي كبير، وابن ميادة أولى به وأشبه.
والاستعارة كثيرة في كتاب الله عز وجل وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم: من ذلك قوله تعالى: " لما طغى الماء " وقوله: " فلما سكت عن موسى الغضب " وقوله: " وسمعوا لها شهيقاً وهي تفور، تكاد تميز من الغيظ " ، فالشهيق والغيظ استعارتان، وقوله تعالى: " يا أرض ابلغي ماءك " وكثير من هذا لو تقصى لطال جداً. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " الدنيا حلوة خضرة " وقوله لحالب حلب ناقة: " دع داعي اللبن " يعني بقية من اللبن في الحلب، وقوله: " تمسحوا بالأرض فإنها بكم برة " . قال أبو عبيد: يريد أنها منها خلقهم، ومنها معادهم وهي بعد الموت: كفاتهم وقوله: " رب تقبل توبتي، واغسل حوبتي " فغسل الحوبة استعارة مليحة.
ومن أناشيد هذا الباب وهو فيما زعم ابن وكيع استعارة وقعت قول امرئ القيس يصف الليل:
وليل كموج البحر أرخى سدوله ... علي بأنواع الهموم ليبتلي
فقلت له لما تمطى بجوزه ... وأردف أعجازاً وناء بكلكل
فاستعار لليل سدولاً يرخيها، وهو الستور، وصلباً يتمطى به، وأعجازاً يردفها، وكلكلاً ينوء به، وقال حسان بن ثابت يذكر قتلة عثمان رحمة الله عليه:
ضحوا بأشمط عنوان السجود به ... يقطع الليل تسبيحاً وقرآنا
فالاستعارة قوله عنوان السجود به وقد أخذه من قول الله تعالى: " سيماهم في وجوههم من أثر السجود " وقال جميل العذري:
أكلما بان حي لا تلائمهم ... ولا يبالون أن يشتاق من فجعوا
علقتني بهوى منهم، فقد جعلت ... من الفراق حصاة القلب تنصدع.






  رد مع اقتباس