المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مثل عربي وقصته(11)


شاكر السلمان
09-23-2018, 11:59 AM
· (تَجُوعُ الحُرَّةُ وَلاَ تَأكُلُ بِثَدْيَيْهَا).


أي لا تكون ظِئْراً وإنْ آذاها الجوع، ويروى "ولا تأكل ثدييها" وأول من قال ذلك الحارث بن سليل الأسَدِي، وكان حليفا لعَلْقَمَة بن خَصَفة الطائي، فزارَه فنظر إلى ابنته الزَّبَّاء - وكانت من أجمل أهل دهرها - فأعْجِبَ بها، فقال له: أتيتُكَ خاطبا، وقد ينكح الخاطب، ويدرك الطالب، ويمنح الراغب، فقال له علقمة: أنت كُفْءٌ كريم، يقبل منك الصَّفْو، ويؤخذ منك العَفْو، فأقِمْ ننظر في أمرك، ثم انكفأ إلى أمها فقال: إن الحارث بن سليل سيدُ قومه حَسَبا ومَنْصِباً وبيتا، وقد خطب إلينا الزبَّاء فلا ينصرفَنَّ إلا بحاجته، فقالت امرأته لابنتها: أيُّ الرجالِ أحبُّ إليك: الكَهْلُ الجَحْجَاح، الواصِلُ المَنَّاح، أم الفتى الوَضَّاح؟ قالت: لا، بل الفتى الوضاح، قالت: إن الفتى يُغِيرُك، وإن الشيخ يَمِيرُك، وليس الكَهْل الفاضل، الكثيرُ النائِل، كالحديث السنِّ، الكثير المَنِّ، قالت: يا أمتاه إن الفَتَاة تحبُّ الفتى كحبِّ الرعاء أنِيقَ الكَلاَ، قالت: أي بُنَية إن الفتى شديد الحِجاب، كثير العِتاب، قالت: إن الشيخ يُبْلِي شبابي، ويدنس ثيابي، ويُشْمت بي أترابي، فلم تزل أمها بها حتى غلبتها على رأيها، فتزوجها الحارث على مائة وخمسين من الإبل وخادم وألف درهم، فابْتَنَى بها ثم رَحَل بها إلى قومه، فبينما هو ذاتَ يوم جالسٌ بفِناء قومه وهي إلى جانبه إذ أقبَلَ إليه شَبَابٌ من بني أسد يعتلجون فتنفَّست صُعَداء، ثم أرْخَتْ عينيها بالبكاء، فقال لها: ما يُبْكِيكِ؟ قالت: مالي وللشيوخ، الناهضين كالفُرُوخ، فقال لها: ثَكِلَتْكِ أمُّكِ تَجُوع الحرة ولا تأكل بثدييها.
قال أبو عبيد: فإن كان الأصل على هذا الحديث فهو على المثل السائر "لا تأكل ثدييها" وكان بعضُ العلماء يقول: هذا لا يجوز، وإنما هو "لا تأكل بثدييها" قلت: كلاهما في المعنى سَوَاء، لأن معنى "لا تأكل ثدييها" لا تأكل أجْرَةَ ثدييها، ومعنى "بثدييها" أي لا تعيش بسبب ثَدْييها وبما يُغِلاَّن عليها.
ثم قال الحارث لها: أما وأبيك لرُبَّ غارةٍ شهدتها، وسَبِيَّة أردفتها، وخَمْرة شربتها، فالحقي بأهلك فلا حاجة لي فيك، وقال:

تَهَزَّأت أنْ رَأتْنِــــي لابساً كِبَراً
وغايةُ النـاس بين المَوْتِ والكِبَرِ

فإن بقيتِ لقيتِ الشَّيْبَ راغمَـةً
وفي التعرُّفِ ما يمضي من العِبَرِ

وإن يكن قد عَلاَ رأسي وغَيَّره
صَرْفُ الزمانِ وتغييرٌ من الشَعرِ

فقد أرُوحُ للذَّاتِ الفَتَـــــى جَذِلا
وَقَدْ أصِيبُ بهــــا عِيناً من البَقَرِ

عَنِّي إليكِ فإنــــــي لا تُوَافِقُنِي
عُورُ الكلام ولا شُرْبٌ على الكَدَرِ


يضرب في صيانة الرجل نفسه عن خسيس مكاسب الأموال). وقد أجابته حين قال لا حاجة لي فيك (فقالت أسر من الرفاء والبنين). قال أبو عبيد: من أمثال أكثم بن صيفيّ (تَجُوعُ الحُرَّةُ وَلا تَأْكُلُ بِثَدْيَيْها) وهذا مثل قديم ولكن العامة ابتذلته وحوّلته فقالت: لا تأكل ثدييها، قال بعض العلماء: ليس هذا بشيء وإنما هو بثدييها ومعناه عندهم الرضاع أي لا تكون ظئراً لقوم على جُعل تأخذه منهم، وأما العرب فكانوا يعدون أخذ الأجر على الرضاع سُبّة ولذلك قيل: تجوع الحرّة ولا تأكل ثَدْييها ويحكى أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أيكون المؤمن كذاباً؟ فقال: تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها.
ومعناه أنَّ الحرة قد يصيبها ألم الجوع وشدة الاضطراب ولا تؤجر نفسها على الإرضاع لتأكل أجر رضاعتها، فتلزم نفسها الاصطبار صونا لنفسها عن الهوان والابتذال. فيضرب في الحر يصون نفسه عن قبيح المكاسب ولا تمنعه شدة فقره وحاجته أن يلزم صيانته ويحفظ مروءته.
(وبلغ من منزلة بعض شريفاتهن أنهن كن يحمين من يستجير بهن ويرددن إليه حريته إذا استشفع بهن، على نحو ما ردت فكيهة إلى السليك بن السلكة حريته
حين وقع أسيرًا في يد عشيرتها من بني عوار).

ألبير ذبيان
09-23-2018, 01:23 PM
بوركتم أستاذنا الجليل
شكرا لكم الانتقاء والعرض الرائع
محبتي

شاكر السلمان
09-23-2018, 04:51 PM
بوركتم أستاذنا الجليل
شكرا لكم الانتقاء والعرض الرائع
محبتي
سلمت ايها الراقي

هديل الدليمي
09-24-2018, 08:42 AM
مثل جميل يرفل بدلالاته العميقة
شكرا عمدتنا القدير

عواطف عبداللطيف
09-25-2018, 12:41 PM
شكراً عمدتنا الغالي

شاكر السلمان
09-25-2018, 02:33 PM
بوركتما هديلاً وعواطفا

عوض بديوي
09-25-2018, 06:27 PM
ســلام مـن الله و ود ،
كثيرون أنتم في رفدكم و ما تثرون في جميل عرض ؛
فشـكرا لــكـم...
بـورك مـدادكـم...
أنـعـم بـكم وأكـرم...!!
مـودتي و محبتي

شاكر السلمان
09-25-2018, 08:43 PM
ســلام مـن الله و ود ،
كثيرون أنتم في رفدكم و ما تثرون في جميل عرض ؛
فشـكرا لــكـم...
بـورك مـدادكـم...
أنـعـم بـكم وأكـرم...!!
مـودتي و محبتي
حفظ الله استاذنا وبارك به
وهذا من لطفكم ايها الكريم