عبد الرسول معله
01-10-2010, 10:54 PM
أشجع الفرسان
عن جعفر ٍبنِ حسينِ اللـهبي قال: حدّثني أبو دُلامة َقالَ: أتيَ بي المنصورَ أو المهديَّ وأنا سكرانُ، فحلفَ ليخرجَني في بعثِ حربٍ، فأخرجَني معِ رَوْحِ بنِ حاتم ِالمُهَلـّبي لقتالِ الخوارجِ
فلمّا التقى الجمعانِ قلتُ لرَوْحِ: أما واللهِ لوْ أنَّ تحتي فرسَكَ ومعي سلاحَكَ لأثـّرْتُ في عَدُوِّكَ اليومَ أثراً ترتضيهِ! فضَحِكَ وقالَ: واللهِ العظيم ِلَأدفعَنَّ إليكَ ذلكَ ولآخذنـَّكَ بالوفاءِ بشرطِكَ، فنزلَ عن فرسِهِ ونزعَ سلاحَهُ ودفعَ ذلكَ إليَّ، وعادَ بغيرِهِ فاستبدلَ به. فلمّا حَصَلَ ذلكَ في يدي قلتُ: أيُّها الأميرُ، هذا مقامُ العائذِ بكَ، وقدْ قلتُ أبياتاً فاسْمعْها. قال: هاتِ، فأنشدْتـُهُ:
إنّي اسْتَجَرْتُكَ أنْ أُقَدَّمَ في الوَغَى = لِتَطَاعُنٍ وَتَنَازُلٍ وَضِرابِ
فَهَبِ السُّيُوفَ رَأَيْتُها مَشْهُورَةً = فَتَرَكْتُها وَمَضَيْتُ في الـهُرَّابِ
ماذا تَقُولُ لِمَا يَجِيءُ وَمَا يُرَى = مِنْ وَارِدَاتِ الموتِ في النُّشَّاب
فقالَ: دعْ هذا عنكَ، وبَرَزَ رجلٌ من الخوارج ِيدعو إلى الـمُبارزة ِفقالَ رَوْحُ: اخْرجْ إليهِ يا أبا دُلامةَ. فقلتُ: أنشدُكَ اللهَ أيُّها الأميرُ في دمي. فقالَ: واللهِ لتخرُجَنَّ! فقلتُ: أيُّها الأميرُ، فإنَّهُ أوّلُ يوم ٍمن الآخرة ِوآخرُ يوم ٍمن الدُّنيا، وأنا واللهِ جائعٌ ما تنبعثُ مني جارحة ٌمن الجوعِ، فمُرْ لي بشيءٍ آكلـُهُ ثمَّ أخرُجُ، فأمَرَ لي برغيفين ِودجاجةٍ، فأخذتُ ذلك وبرزتُ عن الصفِّ. فلمّا رآني الخارجيُّ أقبلَ نحوي وعليهِ فرْوٌ قد أصابَهُ المطرُ فابْتلَّ، وأصابَتْهُ الشمسُ فاقـْفعلَّ وعيناهُ تقِدان ِنارا، فأسرعَ إليَّ، فقلتُ: على رِسْلِكَ يا هذا! فوقفَ، فقلتُ: أتقتلُ من لا يقاتِلـُكَ؟ قالَ: لا. قلتُ: أتستحِلُّ أنْ تقتلَ رجلاً على دِينِكَ؟ قالَ: لا. قلت: أفتسْتحِلُّ ذلك قبلَ أنْ تدعوَ مَنْ تقابلـُهُ إلى دينِكَ؟ قال: لا، فاذهَبْ عني إلى لعنةِ اللهِ، فقلتُ: لا أفعلُ أو تسمعُ مني. قالَ: قـُلْ. فقلتُ: هلْ كانتْ بيننا عداوة ٌأو تِرة ٌأو تعرفـُني بحالٍ تحفظـُكَ عليَّ أو تعلمُ بيني وبين أهلِكَ وِتراً؟ قالَ: لا واللهِ، قلتُ: ولا أنا واللهِ ما لكَ عندي إلا جميلُ الرأي، فإني لأهْواكَ وأنتحِلُ مذهبَكَ وأدينُ دينـَكَ وأريدُ السوءَ لمن أرادَكَ. فقالَ: يا هذا، جزاكَ اللهُ خيراً فانصرفْ. قلتُ: إنَّ معي زاداً أريدُ أن آكلـَهُ وأريدُ مؤاكلتـَكَ لتتوكّدَ المودّة ُبيننا ويرى أهلُ العسكرين هوانـَهم علينا، قالَ: فافعلْ. فتقدّمْتُ إليه حتى اختلفتْ أعناقُ دوابُّنا وجمعْنا أرجلـَنا على معارفِها وجعلـْنا نأكلُ والناسُ قد غـُلِبوا ضَحِكاً. فلمّا اسْتوْفيْنا ودّعني، ثم قلتُ لـهُ: إنَّ هذا الجاهلَ، إنْ أقمْتَ على طلبِ المبارزة ِندبَني إليكَ فتتعبُ وتـُتعبُني، فإنْ رأيْتَ أنْ لا تبرُز َاليومَ فافعلْ. قالْ: قدْ فعلتُ، فانصرفَ وانصرفـْتُ. فقلتُ لرَوْحٍ:
أمّا أنا فقدْ كفيْتـُكَ قـَرْني، فقـُلْ لغيري يكفِكَ قـَرْنـَه كما كفيْتـُكَ. وخرجَ آخرُ يدعو إلى البراز، فقال لي: اخرجْ إليهِ، فقلتُ:
إنّي أَعُوذُ بِرَوْحٍ أنْ يُقَدِّمَنِي = إلى البِرَازِ فَتَخْزَى بي بَنُو أَسَدِ
إنّ البِرَازَ إلى الأقْرَانِ أعْلَمُهُ = مِمَّا يُفرِّقُ بَيْنَ الرُّوحِ والجَسَدِ
قَدْ حالَفَتْكَ المَنَايَا إذْ صَمَدْتَ لَها = وَأَصْبَحَتْ لِجَمِيعِ الخَلْقِ بالرَّصَدِ
إنَّ المُهَلَّبَ حُبَّ المَوْتِ أَوْرَثَكُمْ = وَمَا وَرَثْتُ اخْتِيَارَ المَوْتِ عَنْ أحَدِ
لَوْ أنَّ لي مُهْجَةً أُخْرَى لَجُدْتُ بِهَا = لكِنَّها خُلِقَتْ فَرْداً فَلَمْ أجُدِ
قالَ: فضحكَ رَوْحُ وأعْفاني.
اقـْفعلَّ =تغضّن ، انقبض
عن جعفر ٍبنِ حسينِ اللـهبي قال: حدّثني أبو دُلامة َقالَ: أتيَ بي المنصورَ أو المهديَّ وأنا سكرانُ، فحلفَ ليخرجَني في بعثِ حربٍ، فأخرجَني معِ رَوْحِ بنِ حاتم ِالمُهَلـّبي لقتالِ الخوارجِ
فلمّا التقى الجمعانِ قلتُ لرَوْحِ: أما واللهِ لوْ أنَّ تحتي فرسَكَ ومعي سلاحَكَ لأثـّرْتُ في عَدُوِّكَ اليومَ أثراً ترتضيهِ! فضَحِكَ وقالَ: واللهِ العظيم ِلَأدفعَنَّ إليكَ ذلكَ ولآخذنـَّكَ بالوفاءِ بشرطِكَ، فنزلَ عن فرسِهِ ونزعَ سلاحَهُ ودفعَ ذلكَ إليَّ، وعادَ بغيرِهِ فاستبدلَ به. فلمّا حَصَلَ ذلكَ في يدي قلتُ: أيُّها الأميرُ، هذا مقامُ العائذِ بكَ، وقدْ قلتُ أبياتاً فاسْمعْها. قال: هاتِ، فأنشدْتـُهُ:
إنّي اسْتَجَرْتُكَ أنْ أُقَدَّمَ في الوَغَى = لِتَطَاعُنٍ وَتَنَازُلٍ وَضِرابِ
فَهَبِ السُّيُوفَ رَأَيْتُها مَشْهُورَةً = فَتَرَكْتُها وَمَضَيْتُ في الـهُرَّابِ
ماذا تَقُولُ لِمَا يَجِيءُ وَمَا يُرَى = مِنْ وَارِدَاتِ الموتِ في النُّشَّاب
فقالَ: دعْ هذا عنكَ، وبَرَزَ رجلٌ من الخوارج ِيدعو إلى الـمُبارزة ِفقالَ رَوْحُ: اخْرجْ إليهِ يا أبا دُلامةَ. فقلتُ: أنشدُكَ اللهَ أيُّها الأميرُ في دمي. فقالَ: واللهِ لتخرُجَنَّ! فقلتُ: أيُّها الأميرُ، فإنَّهُ أوّلُ يوم ٍمن الآخرة ِوآخرُ يوم ٍمن الدُّنيا، وأنا واللهِ جائعٌ ما تنبعثُ مني جارحة ٌمن الجوعِ، فمُرْ لي بشيءٍ آكلـُهُ ثمَّ أخرُجُ، فأمَرَ لي برغيفين ِودجاجةٍ، فأخذتُ ذلك وبرزتُ عن الصفِّ. فلمّا رآني الخارجيُّ أقبلَ نحوي وعليهِ فرْوٌ قد أصابَهُ المطرُ فابْتلَّ، وأصابَتْهُ الشمسُ فاقـْفعلَّ وعيناهُ تقِدان ِنارا، فأسرعَ إليَّ، فقلتُ: على رِسْلِكَ يا هذا! فوقفَ، فقلتُ: أتقتلُ من لا يقاتِلـُكَ؟ قالَ: لا. قلتُ: أتستحِلُّ أنْ تقتلَ رجلاً على دِينِكَ؟ قالَ: لا. قلت: أفتسْتحِلُّ ذلك قبلَ أنْ تدعوَ مَنْ تقابلـُهُ إلى دينِكَ؟ قال: لا، فاذهَبْ عني إلى لعنةِ اللهِ، فقلتُ: لا أفعلُ أو تسمعُ مني. قالَ: قـُلْ. فقلتُ: هلْ كانتْ بيننا عداوة ٌأو تِرة ٌأو تعرفـُني بحالٍ تحفظـُكَ عليَّ أو تعلمُ بيني وبين أهلِكَ وِتراً؟ قالَ: لا واللهِ، قلتُ: ولا أنا واللهِ ما لكَ عندي إلا جميلُ الرأي، فإني لأهْواكَ وأنتحِلُ مذهبَكَ وأدينُ دينـَكَ وأريدُ السوءَ لمن أرادَكَ. فقالَ: يا هذا، جزاكَ اللهُ خيراً فانصرفْ. قلتُ: إنَّ معي زاداً أريدُ أن آكلـَهُ وأريدُ مؤاكلتـَكَ لتتوكّدَ المودّة ُبيننا ويرى أهلُ العسكرين هوانـَهم علينا، قالَ: فافعلْ. فتقدّمْتُ إليه حتى اختلفتْ أعناقُ دوابُّنا وجمعْنا أرجلـَنا على معارفِها وجعلـْنا نأكلُ والناسُ قد غـُلِبوا ضَحِكاً. فلمّا اسْتوْفيْنا ودّعني، ثم قلتُ لـهُ: إنَّ هذا الجاهلَ، إنْ أقمْتَ على طلبِ المبارزة ِندبَني إليكَ فتتعبُ وتـُتعبُني، فإنْ رأيْتَ أنْ لا تبرُز َاليومَ فافعلْ. قالْ: قدْ فعلتُ، فانصرفَ وانصرفـْتُ. فقلتُ لرَوْحٍ:
أمّا أنا فقدْ كفيْتـُكَ قـَرْني، فقـُلْ لغيري يكفِكَ قـَرْنـَه كما كفيْتـُكَ. وخرجَ آخرُ يدعو إلى البراز، فقال لي: اخرجْ إليهِ، فقلتُ:
إنّي أَعُوذُ بِرَوْحٍ أنْ يُقَدِّمَنِي = إلى البِرَازِ فَتَخْزَى بي بَنُو أَسَدِ
إنّ البِرَازَ إلى الأقْرَانِ أعْلَمُهُ = مِمَّا يُفرِّقُ بَيْنَ الرُّوحِ والجَسَدِ
قَدْ حالَفَتْكَ المَنَايَا إذْ صَمَدْتَ لَها = وَأَصْبَحَتْ لِجَمِيعِ الخَلْقِ بالرَّصَدِ
إنَّ المُهَلَّبَ حُبَّ المَوْتِ أَوْرَثَكُمْ = وَمَا وَرَثْتُ اخْتِيَارَ المَوْتِ عَنْ أحَدِ
لَوْ أنَّ لي مُهْجَةً أُخْرَى لَجُدْتُ بِهَا = لكِنَّها خُلِقَتْ فَرْداً فَلَمْ أجُدِ
قالَ: فضحكَ رَوْحُ وأعْفاني.
اقـْفعلَّ =تغضّن ، انقبض